مواقف بين الوعاظ والخلفاء (1)


مواقف بين الوعَّاظ والخلفاء (1)

وعن أبي قدامة السرخسي قال: قام العمري للخليفة على الطريق، فقال له: فعلت وفعلت، فقال له: ماذا تريد؟ قال: تعمل بكذا وتعمَل بكذا، فقال له هارون: نعم يا عم، نعم يا عم.

وعن سعيد بن سليمان قال: كنت بمكة في زُقاق الشطوي، وإلى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري، وقد حج هارون الرشيد، فقال له إنسان: يا أبا عبد الرحمن، هو ذا أمير المؤمنين يسعى قد أُخلي له المسعى، قال العمري للرجل: لا جزاك الله عني خيرًا، كلفتني أمرًا كنت عنه غنيًّا، ثم تعلق نعليه (أي لبسهما).

وقام، فتبِعته وأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا، فصاح به: يا هارون، فلما نظر إليه قال: لبيك يا عم، قال: ارقَ الصفا، فلما رَقِيَه.

قال: ارمِ بطرفك إلى البيت، قال: قد فعلت، قال: كم هم؟ قال: ومن يُحصيهم؟ قال: فكم في الناس مثلهم؟ قال: خلق لا يُحصيهم إلا الله.

قال: اعلم أيها الرجل أن كلَّ واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه، وأنت وحدك تُسأَل عنهم كلهم، فانظر كيف تكون؟ قال: فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلًا منديلًا للدموع.

قال العمري: وأخرى أقولها، قال: قُلْ يا عم، قال: والله إن الرجل ليُسرف في ماله، فيستحق الحجر عليه، فكيف بمن يُسرف في مال المسلمين؟ ثم مضى وهارون يبكي.

قال محمد بن خلف: سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول: بلغني أن هارون الرشيد قال: إني لأُحِبُّ أن أَحُجَّ كلَّ سنة، ما يمنعنني إلا رجل من ولد عمر، ثم يُسمعني ما أَكره.

 

وقد رُوي لنا من طريق آخر أنه لَقِيه في المسعى، فأخذ بلجام دابته، فأهوت إليه الأجناد، فكفَّهم عنه الرشيد، فكلمه فإذا دموع الرشيد تسيل على معرفة دابته.

ثم انصرف، وأنه لقِيَه مرةً، فقال: يا هارون فعلت وفعلت، فجعل يسمع منه ويقول: مقبول منك يا عم، على الرأس والعين.

 

فقال: يا أمير المؤمنين، من حال الناس كيت وكيت، فقال: عن غير علمي وأمري، وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه، فلما نزل الكوفة زحف العسكر حتى لو كان نزل بهم مائة ألف من العدو ما زادوا على هيبته، ثم رجع ولم يصل إليه.

وعن أبي يحيى الزهري قال: قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته: بنعمة ربي أحدث، إني لم أُصبح أملِك إلا سبعة دراهم من لحاء شجر فتلتُه بيدي، وبنعمة ربي أحدث: لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي ما يمنعني أخذها إلا أن أُزيل قدمي عنها، ما أزلتها.

استسقى موسى بن نصير في الناس في سنة 93 حين أقحطوا بإفريقية، فأمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم خرج بهم، وميَّز أهل الذمة عن المسلمين، وفرَّق بين البهائم وأولادها، ثم أمر بالبكاء وارتفاع الضجيج، وهو يدعو الله تعالى حتى انتصف النهار، ثم نزل فقيل له: ألا دعوت لأمير المؤمنين؟ فقال: هذا موطن لا يذكر فيه إلا الله عز وجل، فسقاهم الله عز وجل لما قال ذلك.

كتب زر بن حبيش إلى عبد الملك بن مروان كتابًا يَعِظه فيه، فكان في آخره: ولا يُطمعك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك، فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون.

شعرًا:




إذا الرجال ولَدت أولادها
وبَلِيت من كبر أجسادها
وجعلت أسقامها تعتادها
فذي زوعٍ قد دنا حصادها

فلما قرأ عبد الملك الكتب بكى حتى بل طرف ثوبه بدموعه، ثم قال: صدق زر ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق بنا.

شعرًا:


اللهم نوِّر قلوبنا بنور الإيمان، وثبِّتها على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا هداةً مهتدين، وتوفَّنا مسلمين، وألْحِقنا بعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.







Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Disclaimer Makes A Major Book Change From The Very Beginning & It Makes Cate Blanchett's Show Better – Screen Rant
Audio Nonfiction Books – Best Sellers – Books – The New York Times