ناهيك بمن قطعه الله وطرده من رحمته وحرم عليه جنته


ناهيك بمن قطعه الله وطرده من رحمته وحرم عليه جنته

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

تأمل كيف حذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى من قطيعةِ الأرحامِ في هذه الآية فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ ﴾، وتقدير الكلام وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاتَّقُوا الأرْحَامَ أن تقطعوها!

وسبب هذا التحذير ما للأرحام من منزلة عند الله تعالى، وما يترتب على قطيعتها من الفسادِ في الدنيا والدين.

فصلة الأرحام سببٌ للتراحم والمحبة بين الناس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ».[1]

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «تَعَلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ، ثُمَّ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لِيَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ الشَّيْءُ، وَلَوْ يَعْلَمُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنْ دَاخِلَةِ الرَّحِمِ، لَأَوْزَعَهُ ذَلِكَ عَنِ انْتِهَاكِهِ».[2]

وصلة الرحم من أعظم أسباب رحمة الله تعالى؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ».[3]

وقطيعة الأرحام من أعظم أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22 ، 23].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [الرعد: 25].

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا، وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا، بَتَتُّهُ».[4]

وقطيعة الرحم سبب الحرمان من الجنة؛ فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ».[5]

وناهيك بمن قطعه الله وطرده من رحمته، وحرم عليه جنته.

أعلمت لِمَّ حذَّرَ اللهُ من قطيعة الرحم؟


[1] رواه أحمد- حديث رقم: 8868، والترمذي- أَبْوَابُ البِرِّ وَالصِّلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‌‌بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ النَّسَبِ، حديث رقم: 1979، بسند صحيح

[2] رواه البخاري في الأدب المفرد- ‌‌بَابُ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، حديث رقم: 72، بسند حسن

[3] رواه البخاري- ‌‌كِتَابُ الْأَدَبِ، ‌‌بَابٌ: مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللهُ، حديث رقم: 5988

[4] رواه أحمد- حديث رقم: 1681، وأبو داود- كِتَاب الزَّكَاةِ، ‌‌بَابٌ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ، حديث رقم: 1694، والترمذي- أَبْوَابُ البِرِّ وَالصِّلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‌‌بَابُ مَا جَاءَ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، حديث رقم: 1907، والحاكم- ‌‌كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، حديث رقم: 7268، وابن حبان- ‌‌كِتَابُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، بَابُ صِلَةِ الرَّحِمِ وَقَطْعِهَا، حديث رقم: 443، بسند صحيح

[5] رواه البخاري- ‌‌كِتَابُ الْأَدَبِ، ‌‌بَابُ إِثْمِ الْقَاطِعِ، حديث رقم: 5984، ومسلم- ‌‌كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، ‌‌بَابُ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَتَحْرِيمِ قَطِيعَتِهَا، حديث رقم: 2556





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
تحميل كتاب النظام المائي pdf
بحوث نقدية في علم الأصول