واقع الصوفية اليوم


واقع الصوفية اليوم

 

يمكن الحديث عن واقع الصوفية اليوم في حضرموت، والمناطق المرتبطة بها؛ من خلال زاويتين:

أولًا: التصوف التقليدي:

ونعني به شيوخ الطريقة التقليدية ممن يحافظون على نمط القديم في حضرموت؛ من حيث الارتباط بنظام الطريقة، سواء من خلال الحرص على تسلسل الأسانيد، أو إعادة نشر وتوزيع كتب المناقب والتراجم والكرامات، وكذا المحافظة على الرسوم وطقوس الزيارات، مع التعامل بحذر مع المستجدات المعاصرة.

 

ويتمثل نشاط هذه الفئة في الآتي:

(1) الدروس التقليدية:

وذلك من خلال الأربطة، وأهمها رباط تريم، وأربطة أخرى صغيرة يتم فيها إعطاء دروس في الفقه، خاصة مع تقديس كتاب (التحفة)، وعدم مخالفته، وتكرار واجترار الحواشي الأخرى، والوقوف عند مسائل لا تتناسب مع العصر، وقد أُعيد لرباط تريم دوره العلمي لنشر التصوف، وأُعيدت فيه الأنظمة السابقة المتمثلة في الريادة العلمية لشؤون الرباط، وجانب الأموال والأوقاف والوعظ وإحياء الأنشطة المصاحبة؛ مثل مولد الرباط المشهور، والحضرات، وغيرها، ويتعامل مشايخ الرباط مع الاتجاهات الصوفية المعاصرة بحذرٍ، ويبرز بين الحين والآخر التنافس الخفي على الصدارة العلمية للمتصوفة في حضرموت، ويصل الأمر أحيانًا من قبل بعض مشايخ الرباط إلى انتقاد بعض الممارسات للصوفية المعاصرة المتمثلة في فئة الشباب المجددين في الطريقة.

 

وشهد الرباط في فترات مختلفة محاولاتٍ ليمثل دورًا ما؛ كما حصل ذلك في فترات حرب الانفصال؛ حيث شهد جلسات من قِبل بعض رموز الانفصال لأخذ التأييد والدعم المعنوي.

 

2) مجلس الإفتاء:

وهو مجلس استبقَ فيه بعض المشايخ التقليديين الفرصة لتنصيب أنفسهم، والتصدر للفُتيا؛ لقطع الطريق على الآخرين، ولإكساب أنفسهم صفة شبه رسمية، وترسيخ أقدامهم في المجتمع، وحاولوا بقصد تجاهل بعض العلماء البارزين ممن يخالفهم.

 

3) التصدر في الموالد والحوليات والزيارات:

مثل زيارة هود وحول علي حبشي، وزيارة سلطانة الزبيدية، وكذا البدع الأخرى؛ مثل صلاة الخمسة فروض، والشعبانية، والتعريف في التاسع من ذي الحجة.

 

4) بعث وإحياء بعض العادات الشعبية:

كالرزيح والشبواني، ونظام الحويف والحوط؛ وذلك لارتباطها بالبدع وتعميق الفوارق الطبقية وإعادة صور الإذلال.

 

5) ترسيخ ودعم الواجهات الاجتماعية السابقة:

كالمناصب والمقادمة، ومباركة جهودهم ودفعهم إلى التصدر، ومنافسة ما طرأ من أنظمة مدنية وعامة.

 

6) تجديد المساجد القديمة والزوايا:

وتنشيط أعمالها السابقة من بدعٍ وأذكار جماعية وفرض الأئمة فيها، ومن ناحية أخرى تجديد مدارس التحفيظ القديمة؛ كقبة أبي مريم، ومعلامة با غريب، وغيرها لتقوم بالأدوار السابقة، مع التشديد على التقيد بالرسوم القديمة؛ من حيث التلاوة، واللبس، والقيام بأدوار ثانوية مثلما يقوم به بعض الصغار من أذكار في الجنائز.

 

7) حضور الأفراح والولائم والمآتم:

وإظهار النمط القديم من حيث التصدر والشكليات؛ خدام السقاف في الأعراس، والذكر الخاص في جنائز بعض الأسر.

 

8) الظهور من خلف الكواليس في كثير من القضايا المثارة:

خاصة قضايا الصراع مع أهل السنة، وذلك بإثارة العوام من خلال الوعظ والأشرطة والموالد والزيارات؛ ومن أهم تلك القضايا المثارة: المواقيت والتشيع، ودعاوى الخطر الوهابي.

 

ثانيًا: الصوفية المعاصرة:

ويمثل هذه الفئة الشباب الذين ارتبطوا بالخارج؛ دراسة وفكرًا ومنهجًا، وينضوي تحت هذه الفئة عدة اتجاهات تجمعها أهداف واحدة؛ أهمها: ترسيخ التصوف لكن بشكل معاصر؛ ليكون مقبولًا عالميًّا وداخليًّا؛ ومن هذه الاتجاهات:

 

(1) دار المصطفى:

وما يلحق به من مدارس للبنين والبنات، ومعاهد ومنابر فكرية وثقافية وإعلامية، وأنشطة تجارية وعقارات ومزارع.

 

(2) جامعة الأحقاف:

وهي منبر أكاديمي فكري ذو أبعاد أمنية وإستراتيجية.

 

(3) أربطة عديدة؛ وهي أربطة معاصرة ذات اتجاه فكري مضطرب، وأبعاد تاريخية وأسرية.

 

(4) جمعيات خيرية وعلمية، ومنها نسوية دعوية ومهنية.

 

(5) فئة الشباب المضطرب فكريًّا، ممن لا يزالون مترددين بين اتجاهات عدة لتحقيق مصالح مختلفة، وقد خرج من تحت عباءتهم مجموعة التشيع في تريم وسيئون.

 

وإجمالًا يمكن عرض نشاط هذه الفئة فيما يلي:

(1) محاولات الاستيلاء على الواجهة العلمية من خلال منافسة الرباط وشيوخه؛ وذلك بتجاهلهم أو الحد من نشاطهم.

 

(2) التنسيق مع مراكز القوى للتأثير في الحياة الفكرية، سواء من خلال وسائل الإعلام، أو إفساح المجال لهم لبث أفكارهم في مراكز ومناطق مختلفة.

 

(3) إعادة تشييد وبناء معالم الخرافة المندثرة، وبتمويل كبير، كما هو حاصل من قبل زعيم أربطة عدن في سعيه الحثيث لإقامة حوليات جديدة لأحمد بن عيسى المهاجر، وسلطانة الزبيدية والعمودي وغيرهم، ويهدف من خلال هذه الأمور إلى كسب أنصار جدد للطريقة عن طريق التأثير السري، وكذا الحصول على أموال ودعم معنوي.

 

(4) تأهيل الطلاب والشباب تأهيلًا جامعيًّا وعاليًا، داخليًّا وخارجيًّا في تخصصات مختلفة، وخاصة العلوم الشرعية؛ وذلك بقصد إحلالهم في مراكز حساسة؛ كالجامعات، والوظائف، والأوقاف، والمدارس الحكومية؛ للتحكم مستقبلًا في نشر الفكر وإبعاد المخالفين، ويظهر ذلك جليًّا في نشاط جامعة الأحقاف، والبعثات إلى الخارج.

 

(5) الاستقواء بالمتنفذين لإبعاد أهل السنة عن المساجد، وتدريس التربية الإسلامية في المدارس، ومرشدي الأوقاف، وإدارات المدارس، والاستيلاء على المساجد وإغلاقها.

 

(6) محاولة التوسع الأفقي من خلال شراء الأراضي والعقارات، والحصول على أراضٍ تخص مراكز عامة، كما حصل في أرض ثانوية تريم، وأرض مركز العمارة الطينية، ومحاولات الإشراف على مكتبة المخطوطات.

 

(7) التدخل السافر في القضايا العامة، ومحاولة توجيهها كما يريدون؛ مثل تنظيم دورات للمدرسين والموظفين، والتشكيك في المنهج التربوي.

 

(8) إقامة مراكز دراسات وبحوث ونشر؛ وذلك لنشر كتب الطريقة، وإضفاء هالة من القداسة على الرموز القديمة والمعاصرة، وإثارة الشُّبَه، وإصدار المجلات والنشرات والأشرطة؛ وأهمها: مجلة أنوار التلاقي، ومجلة الجذوة، ومراكز التسجيل المنتشرة في المدن والأحياء والمكتبات العامة؛ مثل: مكتبة كلية الشريعة، ومكتبة خرد، والمكتبات المسجدية.

 

(9) الحضور الإعلامي المتميز داخليًّا في الإذاعة – خاصة إذاعة سيئون – والتلفاز، والصحافة، من خلال الترويج للبدع، وإجراء المقابلات مع رموزهم، والرد على المنكرين، وخارجيًّا في القنوات المختلفة والمجلات.

 

(10) عقد الندوات والمؤتمرات بزعم تمثيل الوسطية في الإسلام، والمشاركة في المؤتمرات الخارجية.

 

(11) الاستفادة من الوسائل المعاصرة؛ كالمخيمات، والدورات، وفرق الأناشيد، والأندية الرياضية، والإذاعة والتلفاز والإنترنت.

 

(12) محاولة إذكاء الروح العنصرية وتوجيهها حسبما يريدون؛ لأنها من ضمن وسائل الاستقطاب.

 

(13) العمل بهمَّةٍ ونشاط في أوساط الشباب والنساء؛ من دورات ومخيمات، واستيعاب في الجامعة والمعاهد، وجمعيات نسوية.

 

(14) الوقوف من الاتجاه الشيعي الناشئ موقفًا غامضًا، يصل أحيانًا إلى حد التشييع الخفي.

 

(15) التركيز على البعد الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، وذلك من خلال تشغيل عدد من الموظفين والعمال في البناء والمزارع وغيرها، وكذا حضور الأفراح والمآتم، واختراق الجمعيات والأندية والمنتديات الثقافية.

 

وتعد هذه الفئة هي الصوت الأكثر حضورًا؛ للأسباب الآتية:

(1) الارتباط الخارجي سواء عبر المنظمات أو الدول أو كبار التجار والواجهات الاجتماعية أو الارتباط التقليدي في أرض المهجر.

 

(2) الاستفادة من أحداث 11 سبتمبر، وتوظيفها لمصلحتهم، واستثمار التعطف المحلي والخارجي مع الحركة الصوفية.

 

(3) الإمكانيات المادية المتاحة.

 

(4) الأهداف المشتركة للقوى الليبرالية والعلمانية، وفلول الشيوعيين مع أهداف هذه الفئة.

 

(5) الاستفادة من النظم الحديثة في البرمجة والإدارة والتنظيم.



Source link

أترك تعليقا
مشاركة
Preserving Cultural Heritage: قصص وروايات as Mirrors of Arab Society
The Beauty of قصص وروايات: Exploring Themes of Love, Loss, and Identity