( والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر )
النفائس والدر
في فوائد حديث: (والله لَتَنْتَهِيَنَّ، أو لأكتُبَنَّ إلى عمرَ)
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتدي، ومن يُضللْ فلن تجدَ له وليًّا مرشدًا؛ أما بعد:
فهذه جملة من الفوائد الزوائد، والفرائد البدائع، مستنبطَة من حديث حذيفة وسلمان رضي الله عنهما، الذي فيه قول الأخير منهما في آخره: (والله لَتَنْتَهِيَنَّ، أو لأكتُبَنَّ إلى عمرَ)، وأسمَيْتُها: النفائس والدر في فوائد حديث: (والله لَتَنْتَهِيَنَّ، أو لأكتُبَنَّ إلى عمرَ)، وسوف أشرع في ذكر الحديث، ثم أعْقُبُه بذكرها، فأقول مستعينًا بالله:
أولًا: الحديث:
عن عمرو بن أبي قرة قال: ((كان حذيفةُ بالمدائن فكان يذكر أشياءَ قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأُناسٍ من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفةَ، فيأتون سلمانَ فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفةُ أعلمُ بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له: قد ذكرنا قولك لسلمانَ فما صدَّقك ولا كذَّبك، فأتى حذيفةُ سلمانَ وهو في مبقلة فقال: يا سلمان!، ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال سلمان: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يغضب، فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضا لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالًا حبَّ رجال، ورجالًا بُغْضَ رجال، وحتى تُوقِعَ اختلافًا وفُرقة، ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب فقال: أيما رجل من أمتى سَبَبْتُه سُبَّةً أو لعنته لعنةً في غضبى، فإنما أنا من ولد آدمَ، أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليهم صلاةً يوم القيامة، والله لَتَنْتَهِيَنَّ، أو لأكتُبَنَّ إلى عمرَ))؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص:91)، وأبو داود رقم: (4661)، وأحمد في المسند (5/ 437-439)، والطبراني رقم: (6156-6157)، وقال الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (1758): “وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات”، وقال شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (4/ 26): “هذا حديث حسن”، وقد كنت ذكرته في رسالتي: الدر المستطاب في أربعين حديث في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه].
ثانيًا: النفائس والدرر:
1- فضل حذيفة رضي الله عنه.
2- حرصه رضي الله عنه على نشر العلم وتبليغه.
3- منزلة حذيفة رضي الله عنه عند الخليفتين: عمر وعثمان رضي الله عنهما؛ فقد كان حذيفة رضي الله عنه عاملًا على المدائن، التي كان فتحها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سنة ست عشرة، وقيل قبل ذلك، في خلافة عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه إلى أن مات بعد قتل عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.
4- فضل النصيحة.
5- إن النصيحة درجات متفاوتة، ومنها النصيحة في السر.
6- أدب الخلاف بين السلف.
7- فضل الْمُفْتي، وأنه ينبغي أن يكون على دراية بالسائل.
8- سؤال أهل العلم عما يُشكِل تعلمًا لا تعنُّتًا.
9- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَشَرٌ.
10- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغضب؛ إذا تعدَّى أحدهم حدودَ الله عز وجل، أو انتهكها.
11- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وآله وسلم في حال الغضب والرضا إلا الحقَّ، لكن غضبه لله عز وجل قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه، وترك الإغضاء والصفح.
12- إن الغضب قد يأخذ صاحبه إلى زيادة في العقوبة، ومجاوزة الحدِّ في الزجر، الذي قد يحصل أحدهما بدونه.
13- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرضى.
14- ذم الاختلاف والفُرقة.
15- البعد عن كل ما من شأنه أن يكون سببًا لهما.
16- ذم السِّباب والشتام، ولي رسالة في النهي عن السب والشتم نُشِرَتْ والحمد لله.
17- إن في السب والشتم واللعن إيذاءً ينبغي اجتنابه وتحاشيه.
18- ذم اللعن.
19- ذم الغضب، وأنه لا يأتي بخير.
20- إن الغضب يعتري بني آدم كلهم، فينبغي الحذر منه، والابتعاد عن أسبابه.
21- إن الشيطان يعرِض لابن آدم عند الغضب.
22- ذم كل ما يكون سببًا في بثِّ الضغينة والحقد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوب الامتناع عنه.
23- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أُرسِلَ وبُعِثَ رحمة.
24- رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه رضي الله عنهم وأُمَّتِهِ.
25- بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشفقة على أصحابه وأمته.
26- اعتناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمصالحهم والاحتياط لهم.
27- رغبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما ينفعهم.
28- إن ما وقع من سبِّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من دعائه ونحو ذلك، ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية؛ كما قال غير واحد من أهل العلم رحمهم الله.
29- إن كل من سبَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه رضي الله عنهم، أو كل من ليس لها بأهل، فإنما هي عليهم صلاة يوم القيامة.
30- إن هذا كله منه صلى الله عليه وآله وسلم في حقٍّ معين وفي زمن واضح، وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يشمله؛ قاله الحافظ رحمه الله.
31- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجتهد في الأحكام، ويحكم بما أدى إليه اجتهاده.
32- إن هذا وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحكم صورة الغضب، لا أنها على مقتضى الشرع.
33- إن الزجر له أسباب وصور ينبغي التنبه لها، ووضع كل منها في موضعه اللائق به.
34- بيان عظيم خُلُقِهِ صلى الله عليه وآله وسلم الكريم، وكرمه العميم، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم على خُلُقٍ عظيم.
35- فضل اتباع السيئة بالحسنة والشر بالخير.
36- أن هذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما قال الزين العراقي رحمه الله، وغير واحد من أهل العلم.
37- إن الصلاة من الله عز وجل الرحمة.
38- إن هذا إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إظهارًا لكراهية ما وقع من المدعوِّ عليه، وشده الإنكار عليه لذلك.
39- إن ما يقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الإنكار، كثيرًا ما يكون على وجه إظهار الإنكار والتأديب، لا على وجه الحكم في مجموع الأمرين.
40- إن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو سبَّه، إنما كان لسبب صدر منه يقتضي إباحة ذلك، لكنَّه قد يكون منهم من يعلم الله عز وجل من مآل حاله أنه سيقلع عن ذلك، ويتوب منه، بحيث لا يضره، فهذا هو الذي يعود عليه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
41- إن الاستدراك منه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدعاء يدفع ما يخاف من إصابة دعائه لمن لا يستحقه، وإن كان باجتهاد؛ إذ هو باجتهاده الشرعي معصومٌ لأجل التأسي به؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
42- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علِم من طِباع أكثر الناس أن أحدهم إذا غضِب، جرى على لسانه من السب والشتم، واللعن والطعن، ما لو سُئِلَ عنه بعد سكون غضبه، لَقالَ: لم أقصِد حقيقته ولكني غضبت؛ فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبِّهَ أُمَّتَه على هذا الأصل؛ ليستقر في أذهانهم، فلا يحملوا ما يصدر عن الناس من ذلك حال الغضب على ظاهره جزمًا؛ قاله المعلمي رحمه الله.
43- إن هذا إذا كان وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هو معصوم الغضب، كما هو معصوم الرضا، وهو مالك لفظه بتصرفه، فكيف بمن لم يعصمه الله في غضبه وتمليكه، ويتصرف فيه غضبه ويتلاعب الشيطان به فيه؟! فينبغي والأمر كذلك الحذرُ والحرص، والأخذ بأسباب السلامة منه، والبعد عنه.
44- إن الغضبان قد يتكلم بما لا يريده ولا يريد مضمونه.
45- إن ما يقع من الغضبان يُؤاخَذ به.
46- فضل الدعاء وعظيم منزلته.
47- فضل سؤال الله عز وجل والرغبة إليه عز وجل.
48- تقييد المدعوِّ عليه بأن يكون ليس لذلك بأهلٍ.
49- جواز الاستدراك في الدعاء.
50- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم متعبِّد بالظواهر، وأما حساب الناس في البواطن فإلى الله عز وجل.
51- تفاوت الظاهر والباطن.
52- إن الحكم يكون بالظاهر، والله يتولى السرائر.
53- كل من علِم أنه مؤمن في الباطن يحب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يُلعَن؛ لأن هذا مرحوم، بخلاف من لا يكون كذلك؛ قاله شيخ الإسلام رحمه الله.
54- إن على كل من أذى أحدهم ولم يستطع التحلُّل منه أن يُكْثِرَ من أن يدعو له؛ ليكون إحسانًا إليه في مقابلة مَظْلَمَتِهِ.
55- إن العفو في الغالب أولى من العقوبة.
56- لا يجوز كتمان ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مطلقًا، بل لا بد من تبليغه، لكن حيث يصلح ذلك، والأمر كما قيل: لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تبذلوها لغير أهلها فتظلموها.
57- إن من الأحاديث التي قالها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديثَ لا يُطيق كلُّ أحد حَمْلَها، ولا فَهْمَها.
58- اجتناب التحديث بما يجر إلى الفتن أو الخلاف، والسكوت عنه، ما لم يترتب على السكوت عنه تعطيل حكم شرعي أو نحوه.
59- ذم التحديث بأحاديث المدح والذم المتعلقة بالناس دون حاجة إليها، ويعظُم الذم إذا ما ترتب عليها فتنة أو خلاف ونحوهما.
60- إن ليس كل ما يُعلَم يُقال.
61- جواز الدعاء على من كان أهلًا له كالكفار والمنافقين.
62- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ولا لعَّانًا ولا منتقمًا لنفسه.
63- إن إظهار بعض الأمور مما صدر في شأن الصحابة لا ينبغي؛ لأنه ربما يخل بالتعظيم الواجب في شأنهم بما لهم من الصحبة.
64- النهي عن سبِّ أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
65- إن المتشابه أو الْمُشْتَبِهَ لا ينبغي أن يُذكَر عند عامة الناس، والإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره أمرٌ مطلوب شرعًا.
66- إن كل ما يترتب عليه مَضَرَّة أو مَفْسَدَة عند قوم ينبغي ألَّا يُحدَّث به عندهم.
67- مراعاة أفهام الناس واستيعابهم عند تحديثهم وتعليمهم.
68- هذا الحديث من أعظم الأدلة على وجوب العناية بمقاصد الشريعة العام منها والخاص، وفهم الغاية منها.
69- النظر في مآلات الأمور وعواقبها.
70- فضل سلمان رضي الله عنه وعظيم علمه، وحُسْنُ فِقْهه.
71- إن لصاحب الحق مقالًا.
72- وجوب تغيير المنكر حتى يزول ويخلُفه ضده.
73- أهمية الفقه والبصيرة في الإنكار.
74- اعتبار المصالح والمفاسد.
75- درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح.
76- الرجوع إلى الأعلم عند الخلاف.
77- فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.