وفاة كيسنجر .. أستاذ الفوضى الدولية | كتاب عمون


لقد إستطاع هذا المهاجر اليهودي ألماني الأصل تحقيق بصمة كونكريتية، ليس فقط في السياسية الخارجية للولايات المتحدة فقط، بل تجاوزت بصماته لتترك أثرها بدماء المدنيين والعسكريين في كل من فيتنام، وكمبوديا، والعراق، والتشيلي والشرق الأوسط.

يصنف كيسنجر بأنهُ مهندس النظام العالمي الأمريكي الجديد حيثُ لا مكان فيه لكل من يعارض الولايات المتحدة، فمن يختلف مع المخيم الأمريكي ما هو إلا شيوعي مندس أو مشروع شيوعي. وقد تجلت نظرية الدومنيو هذه والتي آمن بها كسنجر بشدة، في هندسته لإنقلاب التشيلي ضد الرئيس المنتخب أليندي. من خلال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي كانت تحت قيادة مجلس الأمن الذي كان يترأسه كيسنجر في ذلك الوقت.

إن من عرفوا كيسنجر عن قرب إتفقوا على أنهُ لم يدع الوازع الأخلاقي يقف عائقاً أمام الأهداف السياسية الجادة. ومما يؤكد صحة هذه النظرية عملية التستر التي قادها كيسنجر لقصف كمبوديا خلال حرب فيتنام والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف المدنيين.

كان كيسنجر متميزاً حقاً ولكن في ماذا تحديداً؟، حيثُ أن هذا المحاضر السابق في جامعة هارفرد لم ينجح في إدارة ملف واحد من ملفات الشؤون الخارجية للولايات المتحدة التي أُوكل بها على مدار فترتان رئاسيتان. وأعتقد جازما أن كيسنجر لو كُلف بذات المهام في عصرنا هذا الذي تتوافر فيهِ المعلومات بغزارة ويسهل فيه النقد، لما أستطاع أن يصمد في منصبه أكثر من أسبوع.

فإن إنتقالك من هزيمة مدوية في فيتنام، إلى دعم فاضح لإسرائيل في حرب أكتوبر أدى إلى قطع إمدادات النفط عن الولايات المتحدة، ثم تخطيط وتنفيذ الأنقلابات في عدة دول لا يجعل منك سياسياً منجزاً. عدى عن أن هذه الأعمال تحد من القوة الدبلوماسية للولايات المتحدة، وتزيد من إعتمادها على قوتها العسكرية في حماية مصالحها وهذا ما حصل.

يمكن أن يكون كيسنجر منظراً سياسيا بارزاً نعم، وهذا ما نلحظه في كُتبه مقالاته وندواته، وعلى رأسها كتاب “الدوبلوماسية”، والذي صاغ فيه جوهر العقيدة السياسية الأمريكية، وهو “الصراعات المنضبطة طويلة الآجل”. ولكن مع تتبعي لتفاصيل ميسرة حياة الرجل السياسية لم أجد إلا مهندساً سياسياً فاشلاً يمتلك الكثير من الأدوات والقليل من الانجازات. وهنا يكمن الفرق بين أن تكون سياسي عملي وأن تكون أكاديمي نظري. فعلى الورق يبدو كيسنجر عبقرياً ولكن أرثهُ يتحدث عن رجل كان ببساطة في المكان الخطأ.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مكتبه السلطان – كتاب فن اللامبالاة للكاتب مارك مانسون/الجزء الأول – كتب صوتية
«تغيّر المناخ والتحديات العابرة» كتاب جديد يواكب «كوب 28»