وقفات رمضانية (5) الموسم الرابع


وقفات رمضانيه (5) الموسم الرابع

 

حديثنا اليوم عن وقت فطر المسافر، وأقسام الصيام الواجب والمستحب، وبما يثبت دخول رمضان.

 

وقت الفطر للمسافر:

وممن يجوز له الفِطْرُ المسافرُ، إذا بدأ المسلم السفر قبل الفجر، فيجوز له الفطر؛ لأنه قد دخل في السفر.

 

وإن يبدأ السفر بعد الفجر، فإن الفطر يُباح له ذلك اليوم إذا فارق البلد، ولا يُفطِر قبل السفر؛ لأنه لا يجوز له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يُفطِرَ حتى يخرج من البلد.

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لا تعِبْ على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم، في السفر وأفطر))؛ [متفق عليه]، وله أن ينوِيَ الصوم وهو مسافر، ثم يبدو له أن يُفطِرَ، فيجوز له الفطر؛ لأنه من رُخَصِ السفر؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يَعِبِ الصائم على الْمُفْطِر، ولا الْمُفْطِر على الصائم))؛ [متفق عليه].

 

أقسام الصيام من حيث الحكم:

الصيام على أربعة أوجه:

1– الصوم الواجب:

وهو ثلاثة أنواع:

صوم شهر رمضان، والصوم الواجب بالنذر، والصوم الواجب في كفَّارة الجماع في نهار رمضان، وفي كفارة قتل الخطأ، وفي كفارة الظهار، وفي كفارة اليمين.

 

2– الصوم المستحب:

وهو صوم التطوع، وهو أنواع؛ منها: صوم يوم الاثنين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشوراء، ونحو ذلك.

 

الصوم المكروه، وهو أنواع؛ منها:

صيام أيام التشريق، وصوم المريض، وصوم المسافر الذي يشق عليه السفر، وصوم الدهر، ونحو ذلك.

 

الصوم المحرَّم، وهو أنواع؛ منها: صوم الحائض، وصوم النُّفَساء، وصوم يوم عيد الفطر، وصوم يوم عيد الأضحى، وصوم يوم الشكِّ، والوِصال ليوم أو يومين، ونحو ذلك.

 

أنواع الصيام في الكفَّارات:

1– كفارة الجماع:

في نهار رمضان هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطْعَمَ ستين مسكينًا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هَلَكْتُ، يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تُعتق رقبةً؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تُطعِم ستين مسكينًا؟ قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر، فقال: تصدق بهذا قال: أفقر منا؟ فما بين لَابَتَيها أهلُ بيت أحوج إليه منا، فضحِك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطْعِمْه أهلك))؛ [متفق عليه].

 

2-كفارة قتل الخطأ:

بأن يقتل مؤمنًا خطأً، فيجب عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].

 

3– كفارة الظِّهار:

كأن يقول الزوج لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي؛ يريد تحريمها، فيجب عليه قبل أن يمَسَّ زوجته عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 3، 4].

 

4– كفَّارة اليمين:

بأن يحلف المسلم على شيء فيَحنَث فيه، فيجب عليه عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد شيئًا من ذلك، فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].

 

5– كفَّارة جزاء الصيد:

بأن يقتل الْمُحْرِم بالحج أو العمرة صيدًا بريًّا، فيجب عليه أن يقوِّمه بدراهم، ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95].

 

بِمَ يثبُت دخول رمضان:

دخول شهر رمضان يثبت بأحد أمرين:

الأول: رؤية هلال رمضان؛ ودليل ذلك قوله تعالى في آية الصيام: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))؛ [متفق عليه].

 

فإذا رأى مسلم عاقل بالغ، عدل موثوق بخبره وأمانته هلالَ رمضان، فقد ثبت دخول الشهر، وتعيَّن على الناس الشروع في صيامه.

 

الثاني: ويثبت دخول شهر رمضان أيضًا بتمام شعبان ثلاثين يومًا؛ لأن غاية الشهر القمري أن يكون ثلاثين يومًا، ولا يكون أكثر من ذلك؛ وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشهر هكذا وهكذا وهكذا – يعني ثلاثين يومًا – ثم قال: وهكذا وهكذا وهكذا؛ يعني تسعة وعشرين يومًا))؛ أي: أنه إما أن يكون ثلاثين أو تسعة وعشرين.

 

فإذا كمل شهر شعبان ثلاثين يومًا، فمعنى ذلك أن شهر رمضان قد بدأ بلا خلاف، وأيضًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))؛ [متفق عليه].

 

فإذا تحرَّى الناس الهلال ولم يَرَوه، فعليهم إتمام شعبان ثلاثين يومًا، ولا يجوز – على الصحيح – صيام يوم الثلاثين على أنه من رمضان؛ لعدم ثبوت دخول الشهر، وهذا اليوم – يوم الثلاثين – يُعرَف بيوم الشك؛ والدليل على عدم جواز صيام هذا اليوم قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: ((من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه، فقد عصى أبا القاسم))؛ [رواه أبو داود]، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن صوم يوم الشك؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صيامًا فليصمه)).

 

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ – أي خَفِيَ – عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))، والحديث واضح الدلالة على أن بدء الصوم مُعلَّق برؤية الهلال، فإذا لم تحصل الرؤية، لزِم الناس أن يكملوا شعبان ثلاثين يومًا.

 

وخلاصة الأمر في هذه المسألة: أن شهر رمضان إذا ثبت بأحد الطريقين المتقدمين، وجب على الناس الصيام، وإلا لم يَجُزِ الشروع في الصيام؛ لعدم ثبوت دخول رمضان.

 

كيفية خروج الشهر:

ثم إن الخروج من شهر رمضان يكون أيضًا بأحد الطريقين اللذين تقدم الحديث عنهما، غير أن ثبوت هلال شوال لا يثبت إلا برؤية شاهدين، بخلاف ثبوت هلال رمضان، فإنه يثبت برؤية شاهد واحد، بالشروط المعتبرة في الشهادة، وقد علَّلوا الفرق بينهما بأن الخروج من العبادة يُحتاط فيه أكثر مما يُحتاط في الدخول فيها.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
العفو والصفح عن الناس من أسباب المغفرة (بطاقة دعوية)
خطبة عيد الفطر 1445هـ {وحسن أولئك رفيقا}