يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس
حديث: َأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ، فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ
سلسلة دروس أحاديث رمضان في فضل خير العصور
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ، فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيَقولونَ: فِيكُمْ مَن صاحَبَ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ لهمْ، ثُمَّ يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ، فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيُقالُ: هلْ فِيكُمْ مَن صاحَبَ أصْحابَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ لهمْ، ثُمَّ يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ، فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيُقالُ: هلْ فِيكُمْ مَن صاحَبَ مَن صاحَبَ أصْحابَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ لهمْ[1].
الشرح:
إنَّ خَير النَّاسِ بعْدَ الأنبياءِ هُم أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ تابِعُوهم، ثمَّ تابِعُو تابِعِيهم، هكذا أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديث صراحة، وفي هذا الحَديثِ بَيانُ فَضلِ القُرونِ الثَّلاثةِ، وأنَّ النَّصرَ أجْراهُ اللهُ على أيدِيهم، فيُخبِرُ صلى الله عليه وسلم أنَّه سَيأتي على النَّاسِ زَمانٌ يُجاهِدُ فيه جَماعةٌ مِنَ النَّاسِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، فيَسألُهمُ الَّذين يَغزونَهم: هلْ فيكم أحَدٌ صَحِبَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فيَقولُ المُجاهِدونَ: نَعَمْ، فينا مَن صَحِبَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيَكونُ ذلك سَبَبًا في أنْ يَكتُبَ اللهُ الفَتحَ على أيدِيهم لِفَضلِهم ومَكانَتِهم؛ حيث صاحَبوا رَسولَه صلى الله عليه وسلم، وهذا بيانٌ لبركة صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ مقام الصحبة على اختلاف درجاتها مقامٌ عظيم.
ثمَّ يَأتي زَمَانٌ، فيُقَالُ: هل فيكم مَن صَحِبَ أصحَابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وهُمُ التَّابِعونَ، فيُقالُ: نَعَمْ، فيَكتُبُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ الفَتحَ على أيدِيهم لِفَضلِهم وبَرَكَتِهم؛ حيث صَحِبوا أصحابَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتأدَّبوا بأدَبِهم، وهذا بيان واضح على عدالة التابعين المطلقة، وعلى فضلهم، بل على بركتهم البيِّنة في الخبر، فإنَّهم لم ينزلوا عن بركة الصحابة إلا أنهم لم يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثمَّ يأتي زَمَانٌ فيُقالُ: هل فيكم مَن صَحِبَ صَاحِبَ أصحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وهُم أتباعُ التَّابِعينَ، فيُقالُ: نَعَمْ، فيَكتُبُ اللهُ الفَتحَ على أيديهم لِفَضلِهم وبَرَكَتِهم؛ إذْ صَحِبوا مَن صاحَبَ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتأدَّبوا بأدَبِهم، وتعَلَّموا مِن عُلومِهم.
وكذلك هذه دلالة واضحة على عدالة أصحاب العصور الثلاثة المطلقة؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضلهم في أكثر من موضع كما ترى في هذه الأربعين، وشهد لهم بالفضل، وأوصى بهم وباتباعهم وبالاقتداء بهم، بل أنبأ عن الغيب بفضلهم وبركتهم في قوله: ثُمَّ يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ، فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ، فيُقالُ: هلْ فِيكُمْ مَن صاحَبَ مَن صاحَبَ أصْحابَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيَقولونَ: نَعَمْ، فيُفْتَحُ لهمْ.
فبمجرَّد أنَّ في الجيش تابعيٌّ أو تباع تابعيٍّ، فُتحت لهم الأمصار ببركته وفضله، ويُفهم من هذا أن هؤلاء عدالتهم مطلقة بتعديل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهم على عدالتهم الأصلية حتَّى يأتي صارفٌ يصرِفهم من عدالتهم الأصلية إلى غير ذلك، بأن يُشهد على تابعيٍّ أنَّه كذَّاب، فبالطَّبع هذا معزول من ديوان التَّابعين، فلا يُذكر أنَّه تابعي، بل يُذكر أنَّه كذَّاب، وغالب العلماء على تكفير قاصد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حاله حال من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنَّه كافرٌ به، فهذا ليس صحابيًّا معه أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذلك من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين قاصدًا، فهو ليس تابعيًّا مع أنَّه صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبُوَّةِ؛ حيث أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم، على غيب وقد وقع ما أنبأ به.
وفيه: فَضيلةٌ لِأهلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى، وأنَّ فضلهم لا يبلغه فضلٌ، وأنَّ مجموع الأحاديث السابقة تنبأُ بأنهم من ذوي العدالة المطلقة، وأنَّ الفرد منهم بجماعة ممن هم بعدهم.
[1] صحيح: أخرجه البخاري 3649.