{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم…}
تفسير قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ… ﴾
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾[المائدة: 6].
تفسير ابن كثير:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: قال كثيرون من السلف: قوله: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ معناه: وأنتم محدثون.
وقال آخرون: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، وكلاهما قريب.
وقال آخرون: بل المعنى أعم من ذلك، فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، ولكن هو في حق المحدث على سبيل الإيجاب، وفي حق المتطهر على سبيل الندب والاستحباب. وقد قيل: إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجبًا في ابتداء الإسلام، ثم نُسِخ.
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبدالرحمن، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خُفَّيه، وصلَّى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله، إنك فعلت شيئًا لم تكن تفعله؟ قال: “إني عمدًا فعلته يا عمر”.
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، ووقع في سنن ابن ماجه، عن سفيان، عن محارب بن دثار – بدل علقمة بن مرثد – كلاهما عن سليمان بن بريدة به وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عباد بن موسى، أخبرنا زياد بن عبدالله بن الطفيل البكائي، حدثنا الفضل بن المبشر، قال: رأيت جابر بن عبدالله يصلي الصلوات بوضوء واحد، فإذا بال أو أحدث توضَّأ ومسح بفضل طهوره الخفين، فقلت: أبا عبد الله، شيء تصنعه برأيك؟ قال: بل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه، فأنا أصنعه، كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
وكذا رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن توبة، عن زياد البكائي به، وقال أحمد: حدَّثنا يعقوب حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر قال: قلت له: أرأيت وضوء عبدالله بن عمر لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، عمَّن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبدالله بن حنظلة بن أبي عامر بن الغسيل حدَّثها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شقَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء، إلا من حدث. فكان عبدالله يرى أن به قوةً على ذلك، كان يفعله حتى مات.
وكذا رواه أبو داود، عن محمد بن عوف الحمصي، عن أحمد بن خالد الذهبي، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبدالله بن عبدالله بن عمر، ثم قال أبو داود: ورواه إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق فقال: عبيدالله بن عبدالله بن عمر، يعني كما تقدم في رواية الإمام أحمد.
وأيًّا ما كان فهو إسناد صحيح، وقد صرَّح ابن إسحاق فيه بالتحديث والسماع من محمد بن يحيى بن حبان، فزال محذور التدليس، لكن قال الحافظ ابن عساكر: رواه سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن محمد بن يحيى بن حبان، به، والله أعلم. وفي فعل ابن عمر هذا، ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة دلالة على استحباب ذلك، كما هو مذهب الجمهور.
وقال ابن جرير: حدَّثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، حدثنا أزهر عن ابن عون، عن ابن سيرين: أن الخلفاء كانوا يتوضئون لكل صلاة.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت مسعود بن علي الشيباني، سمعت عكرمة يقول: كان علي رضي الله عنه يتوضَّأ عند كل صلاة، ويقرأ هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ…. ﴾ الآية.
وحدثنا ابن المثنى، حدثني وهب بن جرير، أخبرنا شعبة عن عبدالملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال: رأيت عليًّا صلى الظهر، ثم قعد للناس في الرحبة، ثم أُتِي بماء فغسل وجهه ويديه، ثم مسح برأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنَّ عليًّا اكتال من حب، فتوضَّأ وضوءًا فيه تجوز، فقال: “هذا وضوء من لم يحدث”، وهذه طرق جيدة عن علي رضي الله عنه يقوِّي بعضُها بعضًا.
وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: توضَّأ عمر بن الخطاب وضوءًا فيه تجوز، خفيفًا، فقال: هذا وضوء من لم يحدث، وهذا إسناد صحيح.
وقال محمد بن سيرين: كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة.
وأما ما رواه أبو داود الطيالسي، عن أبي هلال، عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: الوضوء من غير حدث اعتداء، فهو غريب عن سعيد بن المسيب، ثم هو محمول على أن من اعتقد وجوبه فهو معتدٍ، وأما مشروعيته استحبابًا فقد دلَّت السنة على ذلك.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، حدَّثنا سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري، سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ عند كل صلاة، قال: قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال: كنا نُصلِّي الصلوات بوضوء واحد ما لم نُحدِث.
وقد رواه البخاري وأهل السنن من غير وجه عن عمرو بن عامر به.
قال ابن جرير: وقد قال قوم: إن هذه الآية نزلت إعلامًا من الله أن الوضوء لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة، دون غيرها من الأعمال؛ وذلك لأنه عليه السلام كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتى يتوضَّأ.
حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان عن جابر، عن عبدالله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عبدالله بن علقمة بن الفغواء، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول نكلمه فلا يُكلِّمنا، ونُسلِّم عليه فلا يردُّ علينا، حتى نزلت آية الرخصة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ… ﴾ الآية.
ورواه ابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم عن أبي كريب، به نحوه. وهو حديث غريب جدًّا، وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي، ضعَّفوه.
وقال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن عبدالله بن أبي مليكة، عن عبدالله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء، فقدم إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء، فقال: “إنما أُمِرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة”.
وكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع والنسائي عن زياد بن أيوب، عن إسماعيل -وهو ابن علية- به وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن الحويرث، عن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء، ثم إنه رجع فأتي بطعام، فقيل: يا رسول الله، ألا تتوضَّأ؟ فقال: “لم؟ أأصلي فأتوضأ؟”؛ انتهى مختصرًا.
تفسير ابن جرير:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم على غير طهر الصلاة، فاغسلوا وجوهكم بالماء، وأيديكم إلى المرافق.
ثم اختلف أهل التأويل في قوله: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ أمُرادٌ به كل حال قام إليها، أو بعضها؟ وأي أحوال القيام إليها؟ فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه من أنه معني به بعض أحوال القيام إليها دون كل الأحوال، وأن الحال التي عنى بها حال القيام إليها على غير طهر.
ذكر من قال ذلك:
8857- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، قال: سئل عكرمة عن قول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ فكل ساعة يتوضَّأ؟ فقال: قال ابن عباس: لا وضوء إلا من حدث.
8858- حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت مسعود بن علي الشيباني، قال: سمعت عكرمة، قال: كان سعد بن أبي وقاص يصلي الصلوات بوضوء واحد.
8859- حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفيان بن حبيب، عن مسعود بن علي، عن عكرمة، قال: كان سعد بن أبي وقاص يقول: صَلِّ بطهورك ما لم تحدث.
8860- حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: أخبرنا سليم بن أخضر، قال: أخبرنا ابن عون عن محمد، قال: قلت لعبيدة السلماني: ما يوجب الوضوء؟ قال: الحدث؛ انتهى مختصرًا.
تفسير البغوي:
قوله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾؛ أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة؛ كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 98]؛ أي: إذا أردت القراءة.
وظاهر الآية يقتضي وجوب الوضوء عند كل مرة يريد القيام إلى الصلاة، لكن أعلمنا ببيان السنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد من الآية: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ وأنتم على غير طهر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضَّأ”.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بين أربع صلوات بوضوء واحد، أخبرنا أبو القاسم عبدالله بن محمد الحنيفي، أنا أبو الحارث طاهر بن محمد الطاهري، أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حليم، أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه، أنا عبدان، أنا سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة، صلى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خُفَّيه.
وقال زيد بن أسلم: معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة من النوم.
وقال بعضهم: هو أمر على طريق الندب، ندب من قام إلى الصلاة أن يُجدِّد لها طهارته وإن كان على طهر، روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ توضَّأ على طهر كتب الله له عشر حسنات”.
وروي عن عبدالله بن حنظلة بن عامر “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرًا أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة”.
وقال بعضهم: هذا إعلام من الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا وضوء عليه إلا إذا قام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال، فأذن له أن يفعل بعد الحدث ما بدا له من الأفعال غير الصلاة، أخبرنا أبو القاسم الحنيفي، أنا أبو الحارث الطاهري، أنا الحسن بن محمد بن حليم، أنا أبو الموجه، أنا صدقة، أنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمع سعيد بن الحويرث، سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فرجع من الغائط فأتي بطعام، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: “لم؟ أأصلي فأتوضأ؟”؛ انتهى.
تفسير القرطبي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾: اختلف العلماء في المعنى المراد بقوله: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ على أقوال؛ فقالت طائفة: هذا لفظ عام في كل قيام إلى الصلاة، سواء كان القائم متطهرًا أو محدثًا، فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضَّأ، وكان علي يفعله ويتلو هذه الآية، ذكره أبو محمد الدارمي في مسنده، وروي مثله عن عكرمة، وقال ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة.
قلت: فالآية على هذا محكمة لا نسخ فيها، وقالت طائفة: الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال عبدالله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه، فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا مِن حَدَث، وقال علقمة بن الفغواء عن أبيه، وهو من الصحابة، وكان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك: نزلت هذه الآية رخصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان لا يعمل عملًا إلا وهو على وضوء، ولا يكلم أحدًا ولا يرد سلامًا إلى غير ذلك؛ فأعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو للقيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال، وقالت طائفة: المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلبًا للفضل، وحملوا الأمر على الندب، وكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر يتوضئون لكل صلاة طلبًا للفضل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، إرادة البيان لأمته صلى الله عليه وسلم.
قلت: وظاهر هذا القول أن الوضوء لكل صلاة قبل ورود الناسخ كان مستحبًّا لا إيجابًا وليس كذلك؛ فإن الأمر إذا ورد، مقتضاه الوجوب لا سيما عند الصحابة رضوان الله عليهم، على ما هو معروف من سيرتهم، وقال آخرون: إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلاة ثم نُسِخ في فتح مكة، وهذا غلط؛ لحديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ لكل صلاة، وإن أمته كانت على خلاف ذلك، وسيأتي؛ ولحديث سويد بن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى وهو بالصهباء العصر والمغرب بوضوء واحد، وذلك في غزوة خيبر، وهي سنة ست، وقيل: سنة سبع، وفتح مكة كان في سنة ثمان، وهو حديث صحيح رواه مالك في موطئه، وأخرجه البخاري ومسلم، فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة. فإن قيل: فقد روى مسلم عن بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خُفَّيه، فقال عمر رضي الله عنه: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، فقال: “عمدًا صنعته يا عمر”، فلمَ سأله عمر واستفهمه؟ قيل له: إنما سأله لمخالفته عادته منذ صلاته بخيبر، والله أعلم.
وروى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأ لكل صلاة طاهرًا وغير طاهر، قال حميد: قلت لأنس: وكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضَّأ وضوءًا واحدًا، قال: حديث حسن صحيح، ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الوضوءُ على الوضوء نورٌ، فكان عليه السلام يتوضَّأ مجددًا لكل صلاة، وقد سلم عليه رجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى تيمَّم ثمَّ ردَّ السلام وقال: “إني كرهت أن أذكر الله إلا على طُهْر”؛ رواه الدارقطني، وقال السدي وزيد بن أسلم: معنى الآية ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾يريد من المضاجع؛ يعني النوم؛ انتهى.
تفسير السعدي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ إلى آخرها؛ أي: يا أيها الذين آمنوا، اعملوا بمقتضى إيمانكم بما شرعناه لكم.
الثاني: الأمر بالقيام بالصلاة؛ لقوله: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾.
الثالث: الأمر بالنية للصلاة؛ لقوله:﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾؛ أي: بقصدها ونيتها.
الرابع: اشتراط الطهارة لصحة الصلاة؛ لأن الله أمر بها عند القيام إليها، والأصل في الأمر الوجوب.
الخامس: أن الطهارة لا تجب بدخول الوقت، وإنما تجب عند إرادة الصلاة.
السادس: أن كل ما يطلق عليه اسم الصلاة، من الفرض والنفل، وفرض الكفاية، وصلاة الجنازة، تشترط له الطهارة، حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء؛ كسجود التلاوة والشكر؛ انتهى مختصرًا.