يا رسول الله، إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب
حديث: يا رسول الله، إني تزوَّجت امرأة على وزن نواة من ذهب
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله، إني تزوَّجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولِم ولو بشاة؛ متفق عليه واللفظ لمسلم.
المفردات:
الوليمة: قال النووي: قال العلماء من أهل اللغة والفقهاء وغيرهم: الوليمة الطعام المتخذ للعُرس مشتقة من الولم وهو الجمع؛ لأن الزوجين يجتمعان، قاله الأزهري وغيره، وقال الأنباري: أصلها تمام الشيء واجتماعه، والفعل منها: أولِم، قال أصحابنا: وغيرهم: الضيافات ثمانية أنواع، الوليمة للعرس، والخرس بضم الخاء المعجمة، ويقال الخرص أيضًا بالصاد المهملة للولادة، والإعذار بكسر الهمزة وبالعين المهملة والذال المعجمة للختان، والوكيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر مأخوذة من النقع وهو الغبار، ثم قيل: إن المسافر يصنع الطعام وقيل: يصنعه غيرُه له، والعقيقة يوم سابع الولادة، والوضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة الطعام عند المصيبة، والمأدبة بضم الدال وفتحها الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب، والله أعلم؛ اهـ.
عبدالرحمن بن عوف: هو أبو محمد عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن كعب بن لؤي القرشي الزهري، كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو أو عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبدالرحمن، كان من السابقين الأولين إلى الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة، ولَما هاجر إلى المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وقال له سعد بن الربيع رضي الله عنه: أخي أنا أكثر أهل المدينة مالًا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أُطلقها لك، فقال عبدالرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فاشترى وباع فربح فجاء بشيء من أقط وسمن، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه ردعٌ من زعفران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهيم؟ فقال: يا رسول الله تزوَّجت امرأة قال: ما أصدقتها؟ قال وزن نواة من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك، أولم ولو بشاةٍ، قال عبدالرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا رجوت أن أُصيب تحته ذهبًا أو فضة، يعني بسبب النبي صلى الله عليه وسلم له بالبركة، وقد شهد عبدالرحمن بن عوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، وقد صح الخبر عن المغيرة بن شعبة أنهم كانوا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قبيل الفجر لحاجة، وتبعَّد عن الناس ومعه المغيرة، فطلع الفجر قبل أن يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُقيمت الصلاة وأمَّهم عبدالرحمن بن عوف، فأدركه رسول الله وقد صلى ركعة وهم في الثانية، قال المغيرة: فذهبت أُوذِنُهُ فنهاني فصلَّينا الركعة التي أدركنا، ولم يصلِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته سوى أبي بكر وعبدالرحمن بن عوف، وقد أمَّره عمر رضي الله عنه على الحج سنة ثلاث عشرة من الهجرة في أول سنة وَلِيَ فيها الخلافة، وقد اختاره عمر رضي الله عنه في أهل الشورى، ولَما توفي كان فيما ترك ذهب قُطِّع بالفؤوس حتى مَجَلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة، فأخرَجت امرأة من نصيبها في الثمن بثمانين ألف، وقد كانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين عن خمس وسبعين سنة رضي الله عنه.
أثر صفـرة: أي أثر خلوق، والخلوق بفتح الخاء نوع من الطيب مركب فيه زعفران، فيبقى أثره أصفر، والظاهر أنه علق فيه من طيب زوجته العروس، لما ثبت في الصحيح من نهي الرجال عن التزعفر، ولذلك سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب وجود أثر الصفرة عليه.
ما هـذا: أي ما سبب وجود أثر الصفرة عليك؟
تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب: أي تزوجت امرأة وسقت صداقها وزن نواة من ذهب، وقد تقدم أنها خمسة دراهم أو ثلاثة دراهم وثُلث.
بارك الله لك: أي جعل الله لك في هذا الزواج خيرًا كثيرًا.
أولِم ولو بشاةٍ: أي اصنع طعام العرس ولو كانت هذه الوليمة مقتصرة على شاة واحدة، قال الحافظ في الفتح: ليست (لو) هذه الامتناعية، وإنما هي التي للتقليل.
البحث:
أورَد البخاري رحمه الله في باب الصفرة للمتزوج عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عبدالرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه أثرُ صفرة، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه تزوَّج امرأة من الأنصار، قال: كم سقت لها؟ قال: زنة نواة من ذهب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَولِم ولو بشاةٍ، ثم ساقه في باب كيف يُدعى للمتزوج من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: إني تزوَّجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولِم ولو بشاةٍ، ثم ساقه في باب الوليمة ولو بشاةٍ من طريق حميد عن أنس رضي الله عنه قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن عوف – وتزوَّج امرأة من الأنصار: كم أصدقتَها؟ قال: وزن نواة من ذهب، ثم قال البخاري: وعن حميد قال: سمعت أنسًا قال: لَما قدِموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار – فنزل عبدالرحمن بن عوف على سعد بن الربيع، فقال: أُقاسمك مالي، وأنزل لك عن إحدى امرأتي، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، فخرج إلى السوق فباع واشترى، فأصاب شيئًا من أقط وسمن، فتزوج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولِم ولو بشاةٍ، أما مسلم رحمه الله فقد ساقه باللفظ الذي ذكره المصنف إلا أنه قال فيه: فبارك الله لك، بدل قوله في اللفظ الذي ساقه المصنف: بارك الله لك، ثم ساقه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ: أن عبدالرحمن بن عوف تزوَّج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواة من ذهب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولِم ولو بشاةٍ، ثم ساقه من حديث أنس رضي الله عنه أن عبدالرحمن بن عوف تزوَّج امرأة على وزن نواة من ذهب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أولِم ولو بشاة، وفي لفظ لمسلم من طريق إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن قدامة قالا: أخبرنا النضر بن شميل حدثنا شعبة حدثنا عبدالعزيز بن صهيب قال: سمعت أنسًا يقول: قال عبدالرحمن بن عوف: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليَّ بشاشة العرس، فقلت: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: كم أصدقتها؟ فقلت: نواة، وفي حديث إسحاق من ذهب، وظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن عوف: أولم ولو بشاة، يشعر بأن أقل ما يجزئ في وليمة العرس شاة، إلا أنه ثبت أن وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرس صفية كانت بغير لحمٍ كما تقدم في بحث الحديث الأول من أحاديث باب الصداق، فدل ذلك على أن أمر وليمة العرس على السَّعة بحسب ما يتيسَّر للزوج، إلا أنه لا يجوز أن تصل إلى حد الإسراف والتبذير، وسيجيء زيادةُ بحث لهذا عند الكلام على الحديث السادس والسابع من أحاديث هذا الباب إن شاء الله تعالى.
هذا والأصل تحريم التزعفر على الرجال كما تقدم؛ لِما رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل؛ اهـ، إلا أن أثرَ الصفرة التي كانت على عبدالرحمن بن عوف ربما كانت علِقت فيه من طيب زوجته كما أشرتُ في مفردات هذا الحديث، والله أعلم.
ما يفيده الحديث:
1- استحباب وليمة العرس.
2- استحباب الدعاء للمتزوج بالبركة.
3- استحباب تكثير الوليمة للقادر ما لم يَصِل إلى حد الإسراف والتبذير.
4- جواز خروج الرجل وعليه أثرُ العرس.
5- أن النكاح لابد فيه من صَداق.