يوم عرفة ومبادئ الاصطفاء للأمة


خطبة جمعة: يوم عرفة ومبادئ الاصطفاء للأمة

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الْمُطَّلع على ما تُكِنُّه النفوس والضمائر، الذي أحاط علمه بكل شيء باطن وظاهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ يرجو بها النجاة يومَ يدخل قبره ويلقى ربه:

والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وحبُّك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم
إلا وأنت حديثي بين جُلَّاسي

 

وأشهد أن نبينا محمدًا عبدالله ورسوله، ما ترك خيرًا إلا ودلَّ أُمَّته عليه، ولا شرًّا إلا وحذرها منه، فتركها على الْمَحَجَّةِ البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك، هدى الله به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، فصـلوات ربي وسـلامه عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمـًا كثــيرًا؛ أما بعــد أيها المسلمون:

ففي السنة العاشرة من الهجرة النبوية كانت حِجَّة الوداع، وهي الحِجَّة الوحيدة التي حجَّها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنها كانت علامة واضحة على دنوِّ أجله ولحاقه بالرفيق الأعلى سبحانه؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا، وقال: هذا يوم الحج الأكبر، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشهَدْ، وودَّعَ الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع))؛ [البخاري (1655)]، وفي مثل هذه الأيام في السنة العاشرة، وقف صلى الله عليه وسلم يخطب في المسلمين، فتكلَّم عن الكثير من الأمور التي تُهِمُّ المسلم في دينه ودنياه وآخرته، فكانت هذه التعاليم بمثابة خطة إستراتيجية للمسلمين من بعده، وطريقٍ للفلاح والنجاة، ودستور للحياة السعيدة لأمته، كيف لا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص على المسلم والمؤمنين من أنفسهم، وكان يخاف عليهم بعد أن يودِّع هذه الحياة، وينتقل إلى ربه من الوقوع فيما حذر منه؟ قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128]، ولقد أُجيبت دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين هتف وهو يبني البيت العتيق: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 129]، فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً لهذه الأمة، ورحمةً للعالمين، فما أحوجنا في المحن والشدائد، وفي الرخاء وعند نزول الفتن والمصائب، وفي اليسر والعسر – إلى توجيهات هذا الرسول العظيم، والنبي الكريم؛ لتستقيم الحياة، ويسعد الإنسان، ويعم الخير على المجتمع! وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، وقد تجمَّع حوله في ذلك الزمان مائة ألف أو يزيدون في صعيد واحد، يسمعون هذه التوجيهات، من المعجزات التي حصلت أن الخطبة سمِعها جميع من كان في الحج بدون مكبر صوت؛ فعن عبدالرحمن بن معاذ التيمي قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنًى، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول، ونحن في منازلنا))؛ [رواه أبو داود في سننه، صحيح أبي داود (1724، 1957)]، فكان مما قاله: ((أيها الناس، اسمعوا قولي؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا، أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقَوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقَون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلَّغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل رِبًا موضوعٌ، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تُظلَمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس بن عبدالمطلب موضوع كله، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يُعبَد في أرضكم هذه أبدًا، ولكنه إن يُطَعْ فيما سوى ذلك، فقد رَضِيَ به مما تحقِرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم، أيها الناس: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 37]، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم؛ ثلاثة متوالية، ورجب الذي بين جُمادى وشعبان…))؛ [رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه، وهو حديث صححه الألباني وغيره]، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يوصي بحسن معاملة النساء، وحسن معاشرتهن بالمعروف، وعدم غمطهن شيئًا من حقوقهن، وأوصى بهن خيرًا؛ وعند ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ألَا وإني فَرَطُكم على الحوض، وأُكاثر بكم الأمم، فلا تسوِّدوا وجهي، ألَا وإني مُسْتَنْقِذٌ أناسًا، ومُسْتَنْقَذٌ مني أناس، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك))؛ [صحيح ابن ماجه (2481، 3057)]، وفي رواية بلفظ: ((ألَا هل بلغت؟ فقالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))؛ [البخاري (1741)، فتح الباري (3/574)].

 

أيها المؤمنون عبـــاد الله: ما أعظم هذه المبادئ التي أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته! فكان أول ما تكلم به حرمة الدماء والأعراض والأموال، وخطورة أن يكون فعل المسلم، أو عمله، أو قوله سببًا لسفك دم إنسان من أي بلاد، أو جنس، أو لون بدون حق؛ والله تعالى قد حذر من ذلك فقال: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، وجعل سبحانه وتعالى التعدي على حياة هذا الإنسان من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم والذنوب، التي تُورِد صاحبها المهالك في الدنيا والآخرة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا))، قال: وقال ابن عمر: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفكَ الدم الحرام بغير حلٍّ”؛ [البخاري (6862)]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((كل ذنب عسى اللـه أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا))؛ [رواه أحمد (16849)، وصححه الألباني]، بل جعل سبحانه وتعالى قَتْلَ المسلم وسَفْكَ دمه من عظائم الأمور؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((قتل المؤمن أعظم عند اللـه من زوال الدنيا))؛ [النسائي (7/ 83)، وصحيح الجامع (4361)]، وقال تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة: 32]، وما تجرأ أحد من الناس على الدماء المعصومة في بلد أو دولة أو مجتمع من المجتمعات، إلا كان نذيرَ شؤمٍ على ذلك المجتمع، وتلك الدولة، فتفسد العلاقات، وتُقطَع الأرحام، وينتشر الخوف، ويذهب الأمن، وتقل البركة، ويحل القحط، وتنتشر الأحقاد والضغائن والثارات، وتتفكك الأُسَرُ، ويخسر المرء دينه ودنياه وآخرته؛ لذلك شدَّد صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، وحذَّر منه؛ حتى لا تفسد حياة أمته من بعده، والمسلم الحق هو من سلِم المسلمون من لسانه ويده، فيحفظ دماءهم، ويصون أعراضهم، ولا يعتدي على أموالهم أو على شيء من حقوقهم، ثم تحدَّث صلى الله عليه وسلم عن الربا وتحريمه، ثم تحدَّث صلى الله عليه وسلم عن الربا وتحريمه، وخطورته على الأفراد والأمة في المجال الاقتصادي والمعاملات المالية، ولقد أجمع الخبراء الاقتصاديون؛ المسلمون وغير المسلمين، أن من أهم أسباب الأزمة المالية التي ضربت بنوك العالم وشركاته ومؤسساته، وسبَّبت الخسائر المالية الفادحة هو الربا، وأن البركة المنزوعة من أموالنا وأعمالنا سببها الربا، الذي يؤدي إلى الظلم والجشع والطمع، ويغيب القرض الحسن بين الناس، ويكون المال بسبب الربا متداولًا بين فئة من أفراد المجتمع، فيظهر الفقر الْمُنسي، والغنى الْمُطغي، والربا سببٌ في تعطيل الأعمال والمشاريع والصناعات؛ لأن صاحب المال أصبح يعتمد على البنوك وفوائدها الربوية في تحصيل الربح، فتتعطل مصالح الناس، وتظهر البطالة وغير ذلك؛ والله عز وجل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278].

 

عبـــاد الله: وكان مما ظهر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع مدى حرصه ورحمته وشفقته بأمته؛ رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، حُكَّامًا ومحكومين، وكان يخاف أن يبدِّلوا أو يُغيِّروا شيئًا من دينه، أو يتركوا شيئًا من شريعته، فيسقطوا من عين الله، ولا يستطيع بعد ذلك أن يدافع عنهم عند الله، أو يشفع لهم؛ فخاطبهم بقوله: ((ألَا وإني فَرَطُكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم، فلا تسوِّدوا وجهي))، يا ألله ما أعظمها من كلمة! يا ألله ما أشدها من كلمة! ماذا نقول لرسول الله، وهذه أعمالنا تشهد علينا بالتقصير والتفريط في عبادتنا وسلوكنا ومعاملاتنا؟ وتخيلوا الموقف العجيب، والمنظر الرهيب، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى حوضه الشريف لنشرب منها، وإذا بالملائكة تدفع أناسًا وتمنعهم؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رب، أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك))؛ [صحيح ابن ماجه (2481، 3057)]، لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ تركوا الدين، وغرتهم الدنيا، وتركوا الطاعات والعبادات، وانشغلوا بالشهوات واللذات، وتركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ورضوا بالسكوت ومداهنة الباطل؛ إيثارًا للسلامة الزائفة، وقصروا في واجباتهم الدينية والدنيوية، فأصبحوا عالة على أمم الأرض، بعد أن كانوا سادة الأمم وأساتذة الحضارة، وتركوا الكثير من أوامر الشرع، واستبدلوا بها اتباع الهوى، وطاعة الشيطان، واتباع خطواته، وتزيينه للباطل والحرام والمنكر في كل شؤون حياتنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يُعبَد في أرضكم هذه أبدًا، ولكنه إن يُطَعْ فيما سوى ذلك، فقد رضِيَ به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم))، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21]، ولكن ما الذي حدث؟ اتبع كثير من المسلمين في بقاع الأرض خطواتِ الشيطان، وزيَّن لهم أعمالهم حتى أشركوا بالله، وعبدوا غيره من بشر وحجر وشجر، وطلاسم وأوراد وشعوذة، وسحر وادعاء الغيبيات والكرامات، والطواف حول القبور والأضرحة، والحج إليها، فما كان إلا أن زادت تعاستهم، وزاد شقاؤهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنَعْمانَ – يعني عرفة – وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنَثَرَهم بين يديه كالذَّرِّ، ثم كلمهم قُبُلًا، قال: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ[الأعراف: 172، 173]))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]، واتبع كثير من المسلمين خطوات الشيطان، فامتلأت القلوب بالحقد والحسد والضغائن، وسوء الظن، وضعفت الأُخُوَّة الإسلامية، وحلَّت مكانها العصبيات الجاهلية للأشخاص والأحزاب، والجماعات والدول، واستطاع الشيطان أن يغري بينهم العداوة والبغضاء، وانظروا إلى المسلمين في هذا العالم الفسيح، فلا تجد حروبًا ولا صراعاتٍ، ودماء تُسفَك، ولا مخيمات لاجئين، ولا بلادًا مدمرة، إلا في بلاد المسلمين، وما ذاك إلا لأننا خرجنا عن الإستراتيجية والخطة التي وضعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يودِّع الدنيا، وكرَّرها في حجة الوداع، وطلب من الحاضر أن يبلِّغ الغائب؛ لتُقام الحجة على كل مسلم حتى قال لأصحابه: ((وأنتم تُسأَلون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغتَ وأدَّيتَ ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد؛ ثلاث مرات))؛ [رواه مسلم (1218)]، ونحن نشهد – يا رسول الله – أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت للأمة، وإنما الخلل والتقصير من نفوسنا وبسبب ضعف إيماننا وتعلُّقنا بالدنيا، وإنه لا بد لنا من توبة صادقة، وعبادة خالصة، وعمل صالح؛ لنستقيم على الصراط، عندها فقط ينظر الله إلينا بعين الرحمة والمغفرة، والسعادة والفوز والنجاة، فاللهم ردَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.

 

الخطــبة الثانية

عبـــاد الله:

الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد أيها المسلمون:

فإن علينا في هذا اليوم العظيم أن نُكْثِرَ من الدعاء، والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أنه يحب سؤال السائلين، وتضرُّع المتضرعين؛ كما صحَّ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام: ((إن الله حَيِيٌّ كريم، يستحي إذا رفع عبده كفيه إليه، أن يردهما صفرًا))، وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه عند ابن خزيمة، وابن حبان، في صحيحيهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم عرفة، فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي؛ أتَوني شعثًا غبرًا ضاحين من كل فج عميق، أُشْهِدكم أني قد غفرت لهم – أي: علت أصواتهم بالتلبية – فتقول الملائكة: يا رب إن فيهم فلانًا عبدًا يُرهق – أي يرتكب المعاصي ويقترف السيئات – فيقول رب العزة جل وعلا: أُشهِدكم أني قد غفرت لهم))، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يُعتِق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه لَيدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتَوني شعثًا غبرًا))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]، إنه يوم الله عز وجل، إنه يوم العباد ليغتنموا من فضل الكريم سبحانه وتعالى، ولنكثر من الدعاء لأنفسنا وأهلينا وبلادنا، ولحُجَّاج بيت الله بالتوفيق والقبول، وأن يردهم الله إلى أوطانه غانمين سالمين.

 

هـــذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أحوالنا، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

 

ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وارحمهما كما ربَّونا صغارًا.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].

 





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
رجل يرتدي ملابس نسائية
مكتبه السلطان – كتب صوتية مسموعة – مملكة البلاغة – رواية إيكادولي – حنان لاشين | الجزء العاشر