صبر النبي صلى الله عليه وسلم


صبر النبي صلى الله عليه وسلم

 

ومن صور الصبر على الابتلاء الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري عن عروة أن عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ[1]؟ فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا”.

 

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: بيْنَا رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ وحَوْلَهُ نَاسٌ مِن قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، إذْ جَاءَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ بسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ علَى ظَهْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ – عَلَيْهَا السَّلَامُ – فأخَذَتْه مِن ظَهْرِهِ، ودَعَتْ علَى مَن صَنَعَ ذلكَ، فَقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأ مِن قُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُقْبَةَ بنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ (شك شعبة)، فَلقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَومَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا في بئْرٍ غيرَ أُمَيَّةَ بن خلف، أَوْ أُبَيٍّ، فإنَّه كانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فلم يُلْقَ في البِئْر”.

 

وأخرج البخاري من حديث عروة بن الزبير – رضي الله عنهما – قال: سَأَلْتُ عبد الله بْنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ: فقلت: أخْبِرْنِي بأَشَدِّ شيءٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: بيْنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في حِجْرِ الكَعْبَةِ، إذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا فأقْبَلَ أبو بَكْرٍ حتَّى أخَذَ بمَنْكِبِهِ، ودَفَعَهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقالَ: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28].

 

ومن الابتلاءات التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم وصبر عليها أن وصفه المشركون بالجنون والسحر والكذب، قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر:6]، وقال تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [ص:4].

 

وفي غزوة أُحُد جُرح النبي صلى الله عليه وسلم، وكُسرت رباعيته، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم شجُّوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله، فأنزل الله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128].

 

ومن الابتلاءات الشديدة التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم الذي فاضت طهارته على الكون كله؛ أن يُتهم في عِرضه، ويتهم في زوجته وحبيبته الحَصان الرَّزان عائشة – رضي الله عنها – فيصبر ويحتسب، حتى أنزل الله في شأنها قرآنًا يتلى إلى قيام الساعة؛ يشهد ببراءتها – رضي الله عنها.


[1] الأخشبان: جبلان بمكة.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
معرض الرياض الدولي للكتاب: رمز تسويقي يحقق تحولًا مميزًا للمدينة
«كتاب الرياض».. موسيقى ومسرح وندوات ثقافية – جريدة المدينة – Al Madina Newspaper – جريدة المدينة