مراقبة الله تعالى (خطبة)


مراقبة الله تعالى

1- مُقَدِّمة.

2- حَقِيقَةُ وَأَهَمِّيةُ المُرَاقَبَة.

3- ثَمَرَاتُ المُرَاقَبَة.

4- خُطُورَة عَدَم مُرَاقَبَةِ الله تعالى.

5- كَيفَ السَّبِيلُ لِتَحقِيقِ المُرَاقَبَة؟

 

الهدف من الخطبة:

التذكير بهذه المنزلة العظيمة من منازل السائرين إلى الله تعالى، وبيان ثمراتها، وخطورة تضييعها، وأسباب تحقيقها.

 

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، لقاؤنا – بإذن الله تعالى- مع منزلة عظيمة من منازل السائرين إلى الله تعالى، ومرتبة جليلة، ومنزلة إيمانية رفيعة، وهي من أفضل الطاعات، وأجَلِّ القُرُبات؛ إنها [منزلة المراقبة].

 

فما هي حقيقة المراقبة، وأهميتها وثمراتها، وخطورة إهمالها؟ وكيف السبيل لتحقيقها؟ كل ذلك نتعرف عليه من خلال هذه الوقفات:

 

الوقفة الأولى: حقيقة وأهمية المراقبة:

إن المراقبة حقيقتُها ومعناها: أن يعلمَ العبدُ دائمًا أن الله تعالى لا يخفى عليه شيءٌ من أموره، وأن يستشعر اطِّلاعه عليه في جميع أحواله.

 

وحقيقة المراقبة يُمكِنُ تلخيصُها في كلمةٍ نافعةٍ مُوجَزَةٍ، للحارث المحاسبي رحمه الله، عندما قال: [المراقبة: عِلمُ القلبِ بقُربِ الربِّ]، فكيف لا يراقب العبدُ ربَّهُ سبحانه وتعالى وهو القريبُ الرقيبُ عليه؟! قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 38]، وكيف لا يراقب العبدُ ربَّهُ سبحانه وتعالى، وهو الشهيد، العليم، الخبير بكل أعماله وأحواله، في السر والعلن سبحانه وتعالى؛ فإذا تكلم علم الله تعالى وسمع كلامه، وإذا سكت علم الله تعالى أفكاره وخواطره، وإذا أسرَّ أحاط الله تعالى بسريرته! قال تعالى: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61]، وقال تعالى: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 13، 14]، فهو سبحانه وتعالى لا يخفَى عليه شيءٌ في الأرض، ولا في السماء، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 8 – 10].

 

ومراقبة الله تعالى من صفات المؤمنين، ومن أخلاق الموحِّدين، وهي دليل على صدق الإيمان، وبلوغ درجة الإحسان كما في حديث جبريل عليه السلام، وفيه: ((الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))؛ ‏ولذلك كان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يسأل ربه سبحانه وتعالى أن يرزقه خشيته ومراقبته في كل أحواله؛ ففي مسند الإمام أحمد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله سبحانه بقوله: ((أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ))؛ أي: أسألك مخافتك فيما لا تراه أعين الناس ويغيب عن أبصارهم، وفيما يشاهدونه ويبصرونه ويدركونه.

 

‏فإن العبد المؤمن مأمورٌ بمراقبة الله تعالى في كل أحواله؛ فعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))؛ [رواه الترمذي، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].

 

الوقفة الثانية: ثمرات المراقبة:

1- فمن ثمرات مراقبة العبد لربِّه سبحانه وتعالى: البعد عن المعصية، وعدم التجرؤ على محارم الله تعالى، وهذا المقام هو الذي منَع يوسفَ عليه السلام عن المعصية حينما ابتلاه الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]، وفي قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانحدرت صخرةٌ فأطبقت عليهم فم الغار، فَتَوَسَّلوا بصالح أعمالهم حتى أنجاهم الله تعالى، وكان الجامع المشترك بينهم هو مراقبة الله تعالى؛ فكان مِن دعاء أحدهم: ((اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسها فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُها عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِها ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْها)) وفي رواية: ((فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْليْها، قَالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلا تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْها وَهِي أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُها، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ)).

 

2- ومنها: أنها من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات وفعل الخيرات، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 101]، وفي الحديث: ((أن تَعبُدَ الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))؛ فالحديث صريح في أن مراقبة الله تعالى تدعو إلى تحسين العبادة، قال ابن منظور رحمه الله: “من راقب الله أحسن عمله”.

 

3- ومنها: أنها من أعظم أسباب انتشار الأمانة والصدق في المعاملات، وبغياب المراقبة تضيع الأمانة.

 

لقد روت لنا كتب التاريخ والسير: “أن عُمَرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه، كان يتَفقَّد الرَّعية ليلًا، فسمع امرأة تقول لابنتها: اخلطي اللَّبن بالماء، قالت: إنَّ عُمَرَ نهى عن ذلك، فقالت الأمُّ: إن عُمَرَ لا يرانا، فقالت: إن كان عُمَرُ لا يرانا فرَبُّ عُمَرَ يرانا”.

 

وعَنْ نَافِعٍ مولى عبدِالله بنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ: “مَرَّ ابنُ عمرَ رضي الله عنهما فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، على رَاعِي غَنَمٍ، فقَالَ لَهُ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيَكَ ثَمَنَهَا، وَنُعْطِيَكَ مِنْ لَحْمِهَا؟ فَقَالَ الراعي: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقَدَهَا فَقُلْتَ له: أَكْلَهَا الذِّئْبُ؟ فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: “فأَيْنَ اللهُ؟!”؛ [رواه البيهقي والطبراني، وحسَّنه الألباني].

 

4- ومنها: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة؛ ففي حديث السبعة الذين هم في ظلِّ العرش يوم القيامة، سنجد أنهم جميعًا استحضروا مراقبة الله تعالى لهم؛ كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَمْ تَعْلَمْ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ)) فلو نَظَرْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ نَجِدُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمْ، وَالْوَصْفَ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ: هو تَقْوَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، وَمُرَاقَبَتُهُ فِي خَلَوَاتِهِمْ.

 

5- ومنها: أن مراقبة الله تعالى من أسباب دخول الجنة، قال الله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 46، 47]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11].

 

نسأل الله العظيم أن يرزقنا خَشْيَتَهُ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وأن يجعلنا من عباده المتقين.

 

الخطبة الثانية

مع الوقفة الثالثة: خطورة عدم مراقبة الله تعالى:

1- فمن أخطرها: الوقوع في ذنوب الخلوات، وانتهاك حرمات الله تعالى:

تأمل معي هذا الحديث العظيم في بيان خطورة انتهاك حرمات الله تعالى في الخلوات، وخطورة عدم مراقبة الله تعالى؛ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))؛ [رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني في الصحيحة].

 

لا يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أُناس من أمم سابقة؛ وإنما من هذه الأمة، ولا يتحدث عن أناس ليس لهم أعمال صالحة وحسنات؛ بل يأتون بجبال من الحسنات؛ لكنهم لا يراقبون الله عز وجل في الخلوات.

 

‏سبحان الله: غفلوا عن الله في الخلوات، فعاقبهم بذهاب الحسنات، فكيف يكون الحال لمن بارز الله تعالى بالذنوب والمعاصي؟! وما حال مَن ترك مراقبة الله في ظاهره وباطنه، وتجرَّأ على المعاصي؟ فإن من لم يستحي من الله تعالى، ويراقبه؛ يفضحه يوم القيامة.

 

2- من أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله؛ فمن نسي الله في الخلوات خذله الله في أحوج الأوقات؛ عند نزع الروح، يقول ابن رجب رحمه الله: “خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس”، ويقول ابن القيم رحمه الله: “أجمع العارفون بالله أن ذنوبَ الخلواتِ هي أصلُ الانتكاسات، وأن عباداتِ الخفاء هي أعظمُ أسبابِ الثبات”.

 

الوقفة الرابعة: كيف السبيل لتحقيق المراقبة؟

 

1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، واستحضار أن من أسمائه: (الرقيب، والشهيد، والسميع، والبصير، والقريب، والعليم، والحفيظ، واللَّطيف، والْمُحيط، والخبير) فإن استحضار هذه الأسماء لله تعالى، والتعبُّد لله تعالى بمقتضاها يورث المراقبة، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 8 – 10]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ [المجادلة: 7]، وتأمل: كيف يراقبنا؟ فمن كرم الله علينا أنه يراقبنا من دون أن يعكر عليك مزاجك أو يُشعِرك بأنه يراقبك؛ تخيل لو أن كاميرة مراقبة تراقبك لنغَّصت عليك معيشتك، لكن الله تعالى يراقبك بوسائل لا تنغص عليك حياتك.

 

2- استحضار عين الله تعالى التي لا تنام:

قال تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 218 – 220]، وقال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].

 

رأى أحد السلف رجلًا وامرأة في مكان ريبة، فاكتفى بقوله لهما: إنَّ الله يراكما.

 

فلو كانت ليلة ظلماء، ونملة سوداء، على صخرة سوداء، ودنوت منها واقتربت وحَمْلَقْتَ إليها فإنك لا تكاد تراها؛ لكنَّ الله عز وجل يراها من فوق سبع سماوات، بل يرى جريان الدم في عروقها، ويرى سبحانه كلَّ جزء من أجزائها، فهو سميع بصير، يسمع كلَّ الأصوات، ويرى جميع المخلوقات.

 

3- استحضار الملائكة التي تحفظك، وتراقبك ليل نهار؛ فقد وكَّل الله تعالى بنا ملائكةً يكتبون ويُحصون، ويوم القيامة يشهدون، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 – 12]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80].

 

4- استحضار شهادة الجوارح والأعضاء يوم القيامة:

قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ [فصلت: 20 – 24]، وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].

 

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده المتقين.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
حسماً لقضية نقص الكتاب المدرسي وإشاعات بيعه في المكتبات الخاصة … الكتب المدرسية توضح: شحنة كتب جديدة تصل المحافظة وتدابير خاصة لإيصاله إلى المدارس
‘كتاب الرياض’.. 16 ألف مستفيد من سيارات هيئة النقل