متى نصر الله؟
متى نصر الله؟
هل خَطَرَ على قلبك خاطرٌ أن الله لن ينصر المسلمين؟
هل فقدت الأمل في النصر؟
هل تقول متى يأتي النصر؟
هل يَئِسْتَ من الأوضاع الحالية؟
هل أصاب قلبك الإحباطُ واليأس من صلاح حال الأمة؟
إذا كان جوابك: نعم، فأنا أُبشِّرك أن النصر قد اقترب جدًّا، أبشِّرك أن هذا الخاطر قد عرض للأنبياء وأتباعهم من المؤمنين؛ ألم يقل سبحانه وتعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، هل تعرف تفسير هذه الآية؟
قال السعدي في تفسيره: “حتى إن الرسل – على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده – ربما أنه يخطر بقلوبهم نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ الأمر هذه الحال، ﴿ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ﴾ [يوسف: 110]”.
إذًا، فقد اشتد الأمر والبلاء على بعض الرسل وأتباعهم، حتى قاربوا على اليأس من النصر، واليأس من التمكين، فعند هذه اللحظة فقط جاء النصر، فكلما اشتدت ظلمة الليل، فإن ضياء الصبح سيبزُغُ قريبًا.
ألم يقل الله: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].
انظر لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 214]، يخبرنا تعالى أن البأساء والضراء قد تصل لدرجة تجعل النبي ومن معه يستبطئون النصر ويستعجلونه؛ لشدة ما يلاقون من استضعاف وتعذيب، حتى تزلزلت القلوب من الخوف والحزن، فعندها فقط يكون النصر قد اقترب كثيرًا.
وبالفعل قد جاء الصحابة لرسولنا صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يدعو لهم، ويستنصر الله لهم، فما كان رده صلى الله عليه وسلم، قال لهم: (لا تستعجلوا).
عن أبي عبدالله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: ((شَكَونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، فقلنا: ألَا تستنصر لنا؟ ألَا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يُؤخَذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يُؤتى بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشَط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصُدُّه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ [رواه البخاري].
وقد انتصر بالفعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعدها بسنوات، ومكَّن الله لهم في الأرض بعد التعذيب والقتل والحصار.
إذًا نصر الله آتٍ لا محالة، ولكننا نستعجل: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 – 173].
ولكن متى يكون؟ وما التوقيت المناسب له؟
لم يحدد الله لنا متى سيكون هذا النصر، ومن هي الفئة التي ستنتصر، ولا الجيل الذي سيرفع رايات النصر، ولكننا نوقن بوعد الله أن النصر آتٍ لا محالة، وإن تأخر لحكمة بل لِحِكَمٍ كثيرة لا نعلمها بتفكيرنا القاصر، قد يطلعنا الله على بعض هذه الحِكَمِ؛ رحمة منه بنا، ولا يشترط أن نعرفها كلها.
فلمَ تستعجل النصر؟ أتظن أن الله غافل عما يعمله الظالمون؟
كلا وحاشاه سبحانه، بل قد يؤخرهم، ويملي لهم؛ ليزدادوا إثمًا واستحقاقًا للعذاب، حتى إذا أخذهم لم يُفْلِتْهم، وبعض الظالمين لا يُعاقَبون في الدنيا، بل يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار؛ ليكون عذابهم وحسابهم على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].
فلمَ تستعجل النصر؟ أتظن أن النصر يأتي بين عشية وضحاها؟
النصر له قواعد وشروط، وخطوات كثيرة، مجتمعة إذا تحققت، سيكون بفضل منه سبحانه؛ فلا نستعجل به قبل أوانه فنعاقَب بحرمانه.
أرأيت لو كان عندك بيضة بها طائر قَارَبَ على الخروج منها للحرية والحياة، فاستعجلت أنت إخراجه، فكسرت البيضة، فكيف سيكون حالة هذا الطائر؟ وكيف سيكون صحته ونضجه؟ لا بد أنه سيتضرر كثيرًا؛ لأنه لم ينضَج بعدُ، ولم يستطع مقاومة الحياة الجديدة.
هكذا نفعل نحن، نريد النصر بأسرع وقت، ونحن لم نصل بعدُ للإيمان الذي يستحق أن ينصرنا الله به.
النصر بناء يحتاج لِلَبِناتٍ قوية كثيرة، ومجتمعة ومتضافرة، لبنات فردية ولبنات على نطاق الأمة كلها.
ولعل هذه الأحداث القائمة من أهم لَبِنات بناء النصر القريب بإذن الله.
فلماذا نستعجل؟ ألَا نعلم أن كل شيء عند الله بمقدار، وكل شيء يحدث فيه حِكَمٌ كثيرة؟
فتأتي هذه الأحداث بحكمة من الله؛ لتساعد المسلمين على النضج الإيماني، وتُدرِّبهم على المعاني القلبية، والعبوديات الكامنة التي يستخرجها البلاء من توبة ودعاء، وتضرع لله، واستنصار للمسلمين، وتعاطف الأمة بل العالم مع القضية، والتعريف بها كما لم يكن من قبل، وإيقاظ أجيال لم تكن تعرف شيئًا عن فلسطين.
تأتي هذه الأحداث؛ لتجريد التوحيد من رؤية الأسباب، وتخليص القلب من رؤية غير الله نصيرًا للمسلمين.
تأتي هذه الأحداث؛ لأن الله يريد أن يصطفي من الأمة شهداء، تُحلِّق أرواحهم في حواصلِ طيرٍ خُضْرٍ في الجنة، شهداء يُغفَر لهم مع أول قطرة دم، شهداء يشفعون في سبعين من أهلهم.
تأتي لتمييز الصف، وظهور المؤمنين من المنافقين؛ قال تعالى في سورة آل عمران موضحًا أن هزيمة المسلمين في أُحُدٍ كانت لها بعض الحِكَمِ؛ فقال سبحانه: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140، 141].
فلماذا نستعجل؟ ألَا توقن قلوبنا بأن الله لطيف بعباده ورحيم بهم، أرحم من الأم بولدها؟
كل ما يحدث هو لطف من الله، ورحمة بهم، ورِفعة في درجات من يُصاب، أو يفقد أهله أو بيته منهم.
وكم سمعنا عن السَّكِينة التي أنزلها الله عليهم، فتغشى قلوبهم أمَنَةً منه، وطمأنينة في هذا الحدث الجلل؟
ألم يلطف الله بسيدنا يوسف حين أُلْقِيَ في البئر، وأوحى إليه أنه سينبِّئ إخوته بهذا الأمر؟
ألم يلطف به في فتنة امرأة العزيز، وصرف عنه السوء والفحشاء؟
ألم يلطف به في السجن ويخرجه منه مكرَّمًا مبرَّأً؟
ولو تأملنا كل ابتلاء يأتي من عند الله، نجد فيه لطفٌ جميل من الله، لو تأملناه، فسيجعلنا نقول كما قال سيدنا يوسف حين رفع أبويه على العرش، وجمعه الله مع أهله بعد غياب: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100].
وهكذا يجب علينا إدراك أن في كل ما يحدث لطفًا من اللطيف، وحكمة من الحكيم، وعلمًا من العليم.
فلْنَثِقْ في وعد الله لنا، ونطمئن لأقداره وقدره، ونتيقن من حكمته، ونتوكل عليه، ونَدْعُه ونتضرع إليه أن يلطف بإخواننا، ولنكن لَبِنات في بناء النصر، ولنحذر أن نكون مِعْوَلَ هدمٍ في جسد الأمة، وليحذر أحدنا أن يكون سببًا في هزيمة الأمة، وليتمسك كلٌّ منا بثغره، ويحارب دونه.