موسم البلدة (خطبة)
موسم البلدة
خطبة الحاجة، والوصية بالتقوى.
عباد الله.
إن ما جرت به العادة من تغير في حالة البحر في بلادنا دون سواها في نجم البلدة هو نعمة عظيمة من الله تعالى، ودليل على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وتفرده بالتصرف في هذا الكون كيف يشاء سبحانه: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].
وما دام أن ذلك نعمة اختصنا الله بها من دون الناس، فإن الواجب شكرها حتى يبارك لنا فيها ونزداد منها، ونسلم من صرفها عنا وعقابنا عليها؛ كما بيَّن لنا ربنا سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
وحذرنا سبحانه من كفر النعم بما قص علينا في القرآن من قصص الجاحدين، الذين لم يشكروا ربهم على نِعَمِهِ؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28]، فهذه الآيات في كفار قريش الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكفروا بالقرآن، واستبدلوا بذلك الكفر والشقاق، ولكن كل من كفر أيَّ نعمة من نعم الله فإنها تشمله، ومن ذلك نعمة موسم البلدة، إذا لم نشكر الله عليه، فسوف يعاقبنا الله سبحانه بإزالتها عنا، أو بعقوبة أخرى يرى بحكمته وعدله أننا نستحقها، فعلينا قبل ذلك أن نبادر إلى شكر نعمته، والفرار من نقمته.
4– وموجة المهرجانات التسويقية والسياحية موجة عالمية، ابتكرها وطوَّرها من يلهث وراء المادة ويعبد المال، ويرى أنه يجوز التضحية بكل شيء في سبيل الكسب والحصول على المال، ولو بمحاربة الله تعالى، ومحاربة الفضائل، ونشر الرذيلة، فترى الكثير منها يقوم على القمار والدعارة والمعاملات المحرمة المختلفة.
5– ومهرجان البلدة في بلادنا لم يصل إلى ما وصلت إليه تلك المهرجانات، بل إنه قد حرص القائمون عليه على تجنب أكثر تلك المخالفات والمعاصي والمنكرات، وإن كان قد اشتمل على منكرات الغناء المحرم، والموسيقى المحرمة، وتشجيع المطربين والعازفين على تلك الآلات، والفرق المتخصصة في تلك الأعمال المحرمة، التي هي بريد الزنا، وأسباب مرض القلوب، وموجبات الخسف والمسخ والقذف.
فهي في نظر القائمين عليها حقيرة، ولكنها في ميزان الشرع كبيرة: ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].
فلا أحد من علماء المسلمين يقول بحل الغناء على الوجه المعروف اليوم والشائع عند الناس، لا سيما عندما يحرص على جلب أكابر المطربين، فإن ما يحصل منهم ومن الحاضرين لا يشك عاقل في تحريمه وتجريمه، وعدِّه محاربةً للفضيلة، ودعوة للرذيلة، ومجلبة لسخط الله.
وما زال الناس يتذكرون ما حصل من بعض النساء اللائي فقدن الحياء، وركبن الغواية، وجهرن بالوقاحة، وقمن من مقاعدهن يرقصن أمام الحاضرين، بل أمام الملايين عبر شاشات القنوات، عندما تفاعلن مع بعض المطربين، فأي صورة تعطي تلك المناظر لحضرموت وأهلها أمام المشاهدين الذين كانوا يسمعون عن حضرموت المحافَظة والعفة والطهارة والحياء؟
عباد الله:
إن ما يجري اليوم إنما هو البداية، وتحت سمع ونظر رجال فيهم خير كثير، وغَيرة على المحارم، ولكن الخطورة إنما هي في كونهم يفتحون الأبواب، ويقفون عليها سنة أو سنتين، ثم يُبعدون عنها ويحل محلهم من لا يخاف الله، ولا يغار على عِرض، ولا يفكر إلا في شهواته، أو في تحقيق ما يمليه عليه الأعداء، ويكون هؤلاء المساكين هم الجسر الذي يعبر عليه أولئك المفسدون، والباب الذي منه إلى أغراضهم الخبيثة يدخلون، ويكونون لهم شركاء فيما يقترفون فيحملون أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَمَنْ سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كان عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بَعْدِهِ، من غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ من أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ))[1].
وإننا إذ نشكر لهم محاولاتهم تخفيف المخالفات، والحرص على جعل النساء بعيدًا عن الرجال في شرحهن، وكذلك تجنب اليانصيب الذي تزخر به المهرجانات المماثلة.
ولكننا نذكرهم بأمور:
أولًا: إن هذا الأمر لن يدوم، بل سوف يتطور ويتحملون مسؤولية مَن بعدَهم.
ثانيًا: إنه مجرد جعل شرح النساء على حدةٍ، وفي أماكن خاصة غير كافٍ، فهناك النساء الرسميات اللاتي يأتين من قِبل الفضائيات أو الوفود أو غير ذلك، فيحضرن مع الرجال، وربما كان لهن دور في التقديم أو غيره، إن ذلك منكر عظيم، يجب ألَّا يكون ولا يُسمح به، وكذلك حضور الكثير من النساء مع الرجال يجب أن يُمنع، ولا يُترك الأمر لشهوتهن أو لأهواء أولياء أمورهن الذين لا غيرة لهم، وكذلك يجب أن تُحكم الرقابة على الأماكن الخاصة بالنساء من حيث منع قرب الرجال أو تجسسهم عليهن، ونظرهم واستماعهم إليهن، أو تصويرهن، وهو أشد وأدهى، كما يجب منع دخول الجوالات التي بها عدسات تصوير منعًا كاملًا، واتخاذ عقوبة رادعة لكل من تضبط وفي حوزتها شيء من ذلك، كما يجب أن يعلم المسؤولون – وفقهم الله – أن مثل هذه التجمعات لا تكاد تسلم من توفير الخمور والمخدرات، بل وربما أماكن الزنا، فإن كثيرًا ممن يأتون للسياحة إنما تكون تلك الأمور من أولويات مطالبهم؛ ولذلك فيجب أن تفعل إدارة الآداب ومكافحة المخدرات اتخاذ التدابير التي تبرئ الذمة في منع ذلك، وإنزال أقصى العقوبات على من يحصل منه شيء منها، فإن الذي نسمعه أنهم يريدون للمكلا سياحة نظيفة، ولن تكون نظيفة إلا بذلك، هذا بعض ما يجب على المسؤولين، والواجب علينا – سائر الناس – البعد عن كل ما حرم الله من سماع الغناء المحرم، والمشاركة في أي فعالية تشتمل على معصية، ومنع نسائنا عن المشاركة في ذلك، والأهم منعهن من مشاركة الرجال في فعالياتهم، وتجنيبهن الاختلاط بهم؛ إلخ.
[1] رواه مسلم، حديث رقم 1017.