أبي لا ينفق علي
♦ الملخص:
شاب في مقتبل عمره، والداه منفصلان، ووالده يأبى الإنفاق عليه، ويحمِّله مسؤولية الإنفاق عليه وعلى أخيه، وأخوه في كلية الطب ولا يعمل، ولا يقدر إنفاقه عليه، ولا يشعر بأي مسؤولية، ولما أخبره بذلك، شعر الشاب بندمٍ على مقالته، وعاد إلى نفسه بتأنيب الضمير، ويسأل: هل مسؤولية الإنفاق على أخيه تقع – شرعًا – على عاتقه؟
♦ التفاصيل:
أنا شابٌّ في الثامنة عشرة من عمري، والداي منفصلان، أعيش مع أبي منذ الصغر، وهو متزوج من امرأة أخرى، لم تكن تعاملنا بشكل جيد، وبيننا مشاكل كثيرة، ولما بلغت السابعة عشرة من عمري لم يعد أحدنا يحتمل الآخر، فنقلنا أبي إلى بيت جدتي التي تعيش وحدها وتربو على السبعين، وعشنا هناك أنا وأخي الأكبر، وهو في السنة الثانية في كلية الطب، وقد كان إزعاجه جدتي وإهماله وصوته العالي سببًا لطرد جدتي له، فانتقل للعيش مع والدتي بعد عودتها من السفر، ريثما يستأجر له أبي منزلًا، وعشت مع جدتي بسلام وأمان، أعمل ليل نهار (ست عشرة ساعة تقريبًا يوميًّا)، وأغطي احتياجاتي الشخصية ولا آخذ شيئًا من والدي؛ حيث رأى أنني في السابعة عشرة ولا بد أن أعتمد على نفسي، وبعد مدة ماتت جدتي وبقيت وحدي في المنزل لمدة ستة أشهر، ولما سافرت والدتي، ولم يجد أبي منزلًا لأخي، رجع أخي إلى بيت الجدة رحمها الله، وهو يدرس ولا يعمل، وأبي يحاول أن يفرض عليه العمل، لكن ظروف كُلِّيَّتِه لا تسمح له، والآن أبي وضع مسؤولية المصاريف كلها على كاهلي، ولا يعطي أخي المال الكافيَ لمصاريفه الشخصية، وأنا لا أستطيع تحمل ذلك، وأبي دائمًا يتهرب من الأمر، أضف إلى ذلك أن أخي شخص عديم المسؤولية، ولا يقدِّر شيئًا مما أفعله، فهو يخرج مع أصدقائه ليل نهار، ويظن الحياة سهلة، وأنا أعمل ليل نهار لتحصيل دخل يكفينا؛ فغضبت عليه، وأخبرته أنني لن أستطيع تحمل شيء إلا ما أنفق به على نفسي؛ فأنا في مرحلة بناء نفسي، فغضب، وقال لي: لن أنسى لك هذا الموقف، فرجعت إلى نفسي باللوم والعتاب، حقًّا أنا لا أستطيع فعل شيء أكثر من حمل مسؤولية نفسي، وأريد بناء نفسي، فأنا لا أدرس لأنني رسبتُ في دراستي، ومستقبلي مجهول، أما هو فمستقبله – بإذن الله – مشرق، أريد تجميع مبلغ مالي ولو قليلًا؛ عساني أطور من نفسي، فهل كلامي هذا يحاسبني عليه الله؟ وماذا أفعل؟ وهل له عليَّ حق أم لا؟ أفتونا مأجورين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فالجواب باختصار:
ما دمت غير قادر على الإنفاق على أخيك، ووالداك موجودان وقادران على الإنفاق عليه، فلا يجب عليك الإنفاق على أخيك إلا من باب الإحسان إن رغبت في ذلك، وليس من باب الوجوب؛ لأنه لا تلزمك نفقته، والواجب إنفاق والديك عليه ما داما قادرَين على ذلك، وقد سُئِلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن مثل سؤالك فأجابت بالآتي:
“المذهب أن الإنسان تلزمه نفقة كل قريب له؛ وذلك بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون فقيرًا لا مال له ولا كسب يستغني به عن إنفاق غيره عليه، الثاني: أن يكون ما ينفقه المنفق فاضلًا عن نفقة نفسه ونفقة من هو أولى بالإنفاق عليه من ذلك الشخص المنفق عليه، كزوجه ووالده وولده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبدالله: ((إذا كان أحدكم فقيرًا، فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته))، الثالث: أن يكون المنفق وارثًا بالفعل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 233]”.
حفظكما الله، وفتح لكما أبواب الرزق الحلال.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.