أهمية الأنشطة في حياة الأسرة


خطبة: أهمية الأنشطة في حياة الأسرة

 

إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، أما بعدُ:

تربية الأولاد تمُرُّ بعدة مراحل: الطفولة والمراهقة والشباب ثم النضج، وكلها مراحل تتميز بالتطور والتشكُّل في مختلف جوانب الشخصية الإنسانية، وفيها يواجه البنون والبنات العديد من المشاكل والمعوِّقات، الأمر الذي يؤكد على حاجتهم الماسَّة إلى بعض الألعاب والأنشطة التربوية الترويحية والترفيهية، وذلك لتحقيق ذواتهم، ومجابهة ما يقف أمامهم من صعاب، فكان لزامًا على الوالدين والمسؤولين عن تربية الأولاد التعرف على مطالبهم واحتياجاتهم، والعمل على إشباعها من خلال الأنشطة.

 

يا عباد الله، إن المواظبة على الحزم والجد في كل الأحوال أمرٌ شاقٌّ على نفس الشاب والفتاة؛ لأن النفس مجبولة على المراوحة والاستجمام، وهنا نجد مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الحاجة مع أصحابه، جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود “كانَ عبدالله يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ، فَقالَ له رَجُلٌ: يا أَبَا عبدِالرَّحْمَنِ، إنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ، وَلَوَدِدْنَا أنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَومٍ، فَقالَ: ما يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إلَّا كَرَاهيةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَتَخَوَّلُنَا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَرَاهيةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا”، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يُستفاد من الحديث “استحباب ترك مداومة الجد في العمل الصالح خشية الملال”.

 

كما أَذِنَ للحبشة أن يلعبوا في مسجده الشريف بحرابهم وسهامهم على عادتهم، وأَذِنَ لأُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالنظر إليهم؛ مراعاة منه لحاجتها إلى الترفيه، تقول رضي الله عنها: “وَاللَّهِ لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَقُومُ علَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بحِرَابِهِمْ، في مَسْجِدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَسْتُرُنِي برِدَائِهِ؛ لِكَيْ أَنْظُرَ إلى لَعِبِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ مِن أَجْلِي، حتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتي أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصَةً علَى اللَّهْوِ”؛ رواه مسلم.

 

يا عباد الله، يقول أحد الشباب: ابني مُدمِن على الألعاب الإلكترونية، يجلس أمام الشاشة الساعات الطوال، كثير السهر، عصبي جدًّا، لا يوجد لديه أصدقاء، يكره زيارات الأهل والجيران أو الخروج للتنزُّه، أصبح مهملًا لواجباته الدينية والدراسية، في الآونة الأخيرة تعرَّف على فتاة، تطوَّرت علاقته معها حتى تعلَّق قلبُه بها، ماذا أفعل؟

 

أيها المسلمون، النشاط هو ذلك الوقت الذي يكتسبه الإنسان لنفسه بعيدًا عن التعليم الرسمي، أو العمل، أو المسؤوليات المنزلية، أو أداء وظائف أخرى في الحياة، وله الحرية في أنْ يفعل فيه ما يشاء من تفاعل مع العائلة، أو الأسرة، أو قضاء الوقت بشكل منفرد، أو لتطوير الجسد في الرياضة بأنواعها، أو لتطوير المهارات العقلية والفكرية وتطوير الذات.

 

يا عباد الله، تُعَدُّ الألعاب والأنشطة من الحاجات الأساسية لأفراد الأسرة؛ فهو يُخفِّف حدة الضغوط والمشكلات التي يواجهونها في الحياة، كما تسهم بشكل ملحوظ في تفريغ الانفعالات المكبوتة لديهم، وحدة القلق والتوتُّر النفسي، وتمنح الشعور بالسعادة والرِّضا والبهجة، واللعب يعمل على استعادة الطاقة المفقودة من أداء الواجبات العملية والرسمية، ويدعم صحة الشاب والفتاة، ويشبع احتياجاتهم الجسمية، ويكسبهم المهارات الحركية والقوام المعتدل والمظهر الحسن.

 

أما إذا كانت الألعاب والأنشطة بشكل جماعي، فهي تساعد على التعاوُن والانسجام والقدرة على التكيُّف مع الآخرين، كما تسهم في تقوية العلاقات واحترام الغير، والمودَّة، والصداقة، والأُخُوَّة، والثقة بالآخرين، والولاء للمجتمع والوطن، وإنكار الذات، وحب العمل، وأداء الواجب، والتطوُّع للخدمات الاجتماعية، كما أن الأنشطة الجماعية قد تكون عاملًا مُحفِّزًا لتنمية مهنة المستقبل، من خلال تنمية مهاراتهم وقدراتهم التي قد تبدأ بهوايةٍ يُمارسها الفرد في حياته اليومية، ثم يُنمِّيها ويُطوِّرها؛ حتى تنتهي بمهنةٍ يحترفها في مستقبل حياته.

 

نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنته -صلى الله عليه وسلم- أقول قولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

 

قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير»؛ رواه مسلم.

أما بعد:

أيها الآباء وأيها المسؤولون عن تربية الشباب والفتيات، عليكم عند اختيار الأنشطة والألعاب الأخذ بعين الاعتبار التالي:

أولًا: ألَّا يكون اللعب والترفيه في أنشطة تلحق الضرر بأفراد الأسرة أو بالآخرين سواء كان الضرر ماديًّا، أو معنويًّا، أو حسيًّا.

 

ثانيًا: اختيار الوقت المناسب بحيث لا يؤثر في واجباتهم الدينية أو الدراسية أو المنزلية أو الأسرية.

 

ثالثًا: الابتعاد عن الإسراف في اللعب والترفيه خصوصًا فيما يتعلَّق بالوقت والمال والصحة.

 

رابعًا: أن يكون له أهداف وأثر إيجابي في أفراد الأسرة وفي المجتمع والوطن.

 

خامسًا: التنوُّع في الأنشطة يعطي مجالًا لاكتشاف المواهب، ويساعد على تنمية قدرات أفراد الأسرة الصحية والعقلية والجسدية والفكرية.

 

سادسًا: عدم التركيز على الألعاب الإلكترونية؛ لما تسبِّبه من آثار صحية وسلوكية وعقدية وتربوية في الشباب والفتيات.

 

سابعًا: الابتعاد عن الاختلاط بين الجنسين في أثناء اللعب والترفيه؛ لما يفضي إليه من ترك الحياء والحشمة والتجرُّؤ على الجنس الآخر، ومن علاقات مُحرَّمة.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيِّكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة للخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.

 

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمِنَّة.

 

اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبَّل شهداءهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وردَّهم سالمين غانمين.

 

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127] ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182].





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
الهيئة العامة للكتاب: لدينا 1200 دار نشر و550 فعالية ثقافية بالمعرض – اليوم السابع
مكتبه السلطان – كتب مسموعة – كتاب سر الحب من خلال الانجيل وعلم النفس مسموع – الأنبا بيمن (الاستاذ كمال حبيب)