استعد أيها الخطيب لجمهورك كما استعدوا لك
استعد أيها الخطيب لجمهورك كما استعدوا لك
ومن هنا نوجه رسالةً ونصيحة لأولئك الذين لا يستعدون لخطبهم، ولا يبذلون لها جزءًا من أوقاتهم؛ معتمدين على ثقافتهم، وبعض معلوماتهم، فلا يلتفتون إلى تحضير خُطَبهم إلا قبل ساعات من صعودهم على منابرهم، ولعل بعضهم قد أصبحت هذه عادته، وتأخير إعداد خطبته دأبه وطريقته، ولعله يفخر بذلك، ويظن أنه من الذكاء وسرعة النباهة والبداهة، وهي في الحقيقة استخفافٌ بالناس، وجهلٌ وحماقة.
فهل من الأدب والحكمة أن يستعد الناس لك، ويحضرون بين يديك، وقد تركوا أشغالهم وأعمالهم المتعلقة بدينهم أو دنياهم، ثم تأتي قبل لحظات، أو حتى ساعات لتقلِّب ناظريك في بعض الورقات أو المجلات؛ لتملأ أسماعهم كلامًا فارغًا، أو تتنقل بهم شرقًا وغربًا، فيخرجوا من عندك وهم في غاية السخط والاستياء! ولعلهم بسبب هذا الإهمال والتقصير قد يتركون التبكير أو سماع الخطبة والتذكير، وكل ذلك باستخفافك بهم، وعدم إعداد الغذاء الذي يناسبهم، ويقضي نهمتهم ورغبتهم.
وليت هؤلاء وأشباههم قد قصروا بواجبهم، وإعداد خطبهم، بسبب أعمالٍ فاجأتهم، أو مصالح اضطرتهم وألجأتهم، وإنما قد يظل أحدهم فارغًا وعاطلًا طوال أيام أسبوعه، فإذا اقترب وقت صعوده، وطلوعه على أعواد منبره، بدأ ينظر له عنوانًا يناسب وقته، ويقلِّب أوراقه لينظر له كلامًا مفرقًا يملأ به فراغه.
فبالله عليك ما عساك ستقوله، وتقدمه في هذا الوقت اليسير، لهؤلاء الجمع الغفير، التي جاء يلتمس الوعظ والتذكير؟! هل هذه هي الأمانة التي وكلت بها، وهل هذه هي المسؤولية التي جعلت عليها، أم أنك قد جعلتها مهنة، وعادة، وفراغًا تملؤه، لا تقصد به قربة أو عبادة؟
ومن هنا نوجه رسالة لمن لا يعرف للمنابر شرفها وقدرها، فنقول: إنها أمانة، ولعلها يوم القيامة خزي وندامة، فإن رأيت أيها الخطيب كفاءة من نفسك، وأداءً للأمانة التي على عاتقك، وإلا كما قيل[1]:
يا باري القوس بريًا ليس يُحسنه لا تظلم القوسَ وأعطِ القوس باريها[2] |