قانون: اللاءات الثلاث
قانون: اللاءات الثلاث
ثلاث “لاءات” لو راعيتها ستتحسن علاقتك كثيرًا بمن حولك، هذه “اللاءات” هي: لا تقذف الآخرين فيقصفوك، لا تذهب بعيدًا في علاقاتك مع الناس، لا يكن حبك كلفًا، ولا يكن بغضك تلفًا.
الأولى: لا تقذف الآخرين فيقصفوك:
احفظ لسانك في تعاملك مع الناس، ولا تعمد إلى النيل منهم، فللناس ألْسُن قد تكون أطول وأحدَّ!
عندما ذهب سليم اللوزي -الصحفي السوري الشهير-إلى الكويت خلال أزمته مع عبدالكريم قاسم؛ قال له وزير الإعلام الكويتي: أنت لا تحضر هنا يا سليم إلا لكي تقبض المصاري (الأموال)! فأجاب سليم اللوزي ضاحكًا: سمو الأمير طال عمرك، وهل تعتقد أنني حضرت إلى هنا لكي أتثقف في جامعة وزارة الإعلام الكويتي!
يقول معروف الدواليبي: قال تشارل ديجول للملك فيصل: تريدون جلالتكم أن تقذفوا بإسرائيل في البحر وقد أصبحت أمرًا واقعًا ولا يقبل أحد بهذا، فرد الفيصل: أستغرب كلامك، فهتلر احتلَّ باريس، وأصبح احتلاله أمرًا واقعًا، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت انسحبت مع الجيش الإنجليزي وقاومت الاحتلال ولم ترضخ أنت وشعبك لهذا الأمر الواقع، فكيف تطالبني الآن بالرضاء بالأمر الواقع، والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتلَّه القوي.
دهش ديجول من سرعة بديهة الملك فيصل ورده المنطقي، فغيَّر لهجته وقال: يا جلالة الملك، يقول اليهود: إن فلسطين هي وطنهم الأصلي وجدهم الأول ولد هناك، فأجاب الملك: أنا معجب بك فخامة الرئيس لأنك متدين، ألم تقرأ بالكتاب المقدس أن اليهود جاءوا غُزاة من مصر، وحرقوا المدن، وقتلوا الرجال والنساء والأطفال؟ فكيف تقول: إن فلسطين بلدهم وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي كان لإسرائيل منذ أربعة آلاف سنة؟! فلماذا لا تعيد روما استعمار فرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط؟! أتصلح خريطة العالم من أجل اليهود ولا تصلحها من أجل روما؟ ونحن العرب أمضينا مائتي سنة في جنوب فرنسا في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها!
قال ديجول: ولكنهم يقولون: إن أباهم ولد فيها! فأجاب الفيصل: غريب أمرك عندك الآن مائة وخمسون سفارة في باريس وأكثر السفراء يلدون أطفالًا في بلدكم، فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس فمسكينة باريس لا أدري لمن ستكون!
قال قائل من خصوم الرافعي: “إنه يقاسي في هذه الكتابة ما تقاسي الأم من آلام الوضع!”، فقال الرافعي –يجيبه-: “أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها، وعليَّ نفقات القابلة والطبيبة متى ولدت بسلامة الله”.
قالت السيدة “أسنور” أول امرأة تشغل منصب عضو في البرلمان لتشرشل: “لو كنت زوجتك لدسست لك السمَّ في القهوة”، فرد عليها تشرشل قائلًا: “لو كنت زوجك لاحتسيتها”.
ورحم الله الإمام الشافعي القائل:
إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليمًا مِن الأذى ودينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِّنُ لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللناسِ ألْسُنُ |
الثانية: لا تذهب بعيدًا في علاقاتك مع الناس ولا تتوقع أكثر مما يجب:
بعض الناس يظنون في الناس المثالية، والبعض قد يكون واقعيًّا، فيطلب أن يكونوا أوفياء، والحقيقة لا تتوقع الأولى –المثالية-ولا تنتظر الثانية –الوفاء-.
وليس هذا تشاؤمًا بقدر ما هو وصف وتجسيد للواقع، وإذن أطلب منك عدم الذهاب بعيدًا في توقعاتك تجاه من حولك؛ لكي تتعامل معهم بهذا المنطق وذاك القانون.
أخذ الشاعر محمد إقبال على أحد علماء الدين كذِبًا فبلغ من نفسه هذا المنكر، فلبث أيامًا مُكتئبًا حتى سأله أستاذه “توماس آرنلد” فقَصَّ عليه القصة، فقال الأُستاذ: سترى كثيرًا من هذا في حياتِك.
فعليك أن تتعامل مع من حولك على هذا الأساس، وعش وسقف توقعك منهم منخفض حتى لا تسقط من علٍ، واعلم بأن الخذلان من مفردات الحياة، فتهيأ له، وتجاوزه بأقل الخسائر.
وتعلم من تجربة هذا الشاعر الفيلسوف ابن الرومي، فقد قال:
الثالثة: لا يكن حبك كلفًا، ولا يكن بغضك تلفًا:
بعض الناس إذا أحبوا؛ خلعوا على محبوبهم ما تفرق في الرجال، وإذا أبغضوا؛ حرموا من أبغضوه أقل محاسنه.
وإن كنت في شك من أمري فاقرأ تلك الأبيات في فن المدح:
عَدُوكَ مَذْمُومٌ بِكُل لِسانِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ الْقَمَرَانِ وَللهِ سِرٌّ فِي عُلَاكَ وَإِنَّمَا كَلَامُ الْعِدَى ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَيَانِ |
ثم اقرأ تلك الأبيات من فن الهجاء:
أقرأت؟
تعالَ أحدثك؛ هل تعلم بأن هذه الأبيات مدحها وقدحها قِيلت في “كافور الإخشيدي” حاكم مصر!
وقبل أن تقول: وما العجب في ذلك؟ فقد عهدنا الحكام من الأزل يرفعهم محبهم للسماء، ويخسف بهم مبغضهم الأرض.
لكنني مضطر أن أهمس في أذنك؛ أن من مدح ومن هجا شخص واحد، هو أبو الطيب المتنبي؛ فحينما أحب، أو قُلْ تملَّق، رفع ممدوحه كما رأيت، وحينما أبغض جعله مثل المهرج الذي يضحك الجمهور في السيرك!
فاقتصد في محبتك وفي بغضك؛ فإن القلب سُمِّي قلبًا لأنه يتقلب ولا يستقر على حال، ولله دَرُّ من قال:
وأحبِبْ إذا أحببتَ حبًّا مقاربًا فإنك لا تدري متى أنت نَازعُ وأبغِض إذا أبغضتَ غير مباين فإنك لا تدري متى أنت راجع |
ونُقل عن الإمام عليِّ -كرَّم الله وجهه- قوله: “أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما”.