الشيخ عبد العزيز الصديقي: شخصيته ومآثره
الشيخ عبدالعزيز الصديقي: شخصيته ومآثره
مقدمة:
الشيخ عبدالعزيز الصديقي كان من أبرز العلماء والدعاة الذين أوقدوا نبراسَ العلم والهداية في دياجير المغارات، وقمة الجبال والتلال الراسيات، في دولة نيبال المظلمة، ورفعوا راية التوحيد في ظلمات الجهل والضلال الْمُطبِق، وتلألأت نجومهم في فصول التاريخ الإسلامي النيبالي، إنه تميَّز بحسن خلقه وحكمته، وعلمه الواسع، وإخلاصه في خدمة الدين والمجتمع.
ترك الشيخ الصديقيُّ بصماتٍ واضحة في مجالات الدعوة والتعليم والعمل الخيري؛ ما جَعَلَ سيرته مصدرَ إلهامٍ للعديد من الأجيال.
النشأة والتعليم:
وُلِد الشيخ عبدالعزيز الصديقي في غرة شهر يناير سنة 1914م، في أسرة متدينة، بقرية راجفور بمديرية روتهت في دولة نيبال؛ حيث كان والده غلزار أحمد، وجده فوزار أحمد من رجال الدين المعروفين، هناك اشتهرت قصة عن جده فوزار أحمد أنه كان وليًّا كبيرًا من أولياء الله، وواحدًا من عباده المقربين، تحمل أدعيته تأثيرًا كبيرًا واستجابة عند الله تعالى، مرة ابتلى الله أهل المنطقة وأمسك عليهم المطر، وعم الجوع الشديد فيهم، فيبست الأرض، وجفت الحقول والمزارع، وتساقطت أوراق الأشجار، أصبح الناس حيارى، ووجدوا أمامهم ريح الموت، آنذاك خرج يومًا هذا الرجل المتنسك فوزار أحمد من بيته، ووقف في وسط الحقول المنجفَّة، وقد انتصف النهار، واشتدت حرارة الشمس، فوقع ساجدًا أمام ربه، ولم يرفع رأسه، حتى نزل المطر الغزير، وعادت الحياة إلى الأرض بعد موتها، بل عادت الحياة إلى الناس بعد شعورهم برائحة الموت.
منذ نعومة أظفاره، أظهر الصديقي اهتمامًا كبيرًا بالعلم والتعلُّم، فقرأ القرآن الكريم على الشيخ الحافظ عبدالجليل رحمه الله في سن مبكرة، وتلقَّى علومه الأولية من الشيخ العالم الكبير عبدالرزاق القاسمي، واستفاد من المشايخ الكبار في المدرسة المحمودية الواقعة بقرب من بيته.
لاحقًا، التحق بمدرسة أنجمن الإسلامية بقرية بكهي المجاورة بمدينة موتي هاري جمبارن الشرقية لولاية بيهار الهند؛ حيث أكمل الدراسة الثانوية، ثم دخل في المدرسة الحميدية بمدينة دربهنكه الهند، وتعلم فيها الفقه والحديث وعلوم القرآن على أيدي كبار العلماء والمشايخ، مما أكسبه معرفة عميقة وأساسًا قويًّا في مختلِف العلوم الإسلامية، وحصل منها على شهادة الفضيلة في الدراسات الإسلامية، كما حصل على شهادة الماجستير في العلوم الشرعية من جامعة شمس الهدى بمدينة بتنه عاصمة الهند، وقرأ الصحاح الستة، وحصل على إجازتها من الشيخ العلامة المحدِّث مقبول أحمد خان صاحب رحمه الله، الذي ذاعت شهرته في العلم والصلاح في عصره.
الصفات الشخصية:
اتَّسم الشيخ عبدالعزيز الصديقي بصفات شخصية جذَّابة، جعلته محبوبًا بين الناس، كان يتمتع بتواضع كبير، فلم يكن يسعى للشهرة أو المجد الشخصي، بل كان هدفه الأساسي هو نشر العلم وخدمة الناس، كان أيضًا يتميز بحِلْمٍ وسَعَةِ صدرٍ؛ حيث كان يستمع لمشاكل الناس بصبرٍ، ويسعى لحلها بحكمة، إضافة إلى ذلك، كان صادقًا في أقواله وأفعاله، مما أكسبه احترام وتقدير الجميع.
مسيرة التدريس:
بدأ الشيخ الصديقي مسيرته التدريسية في سن مبكرة؛ حيث تمَّ تعيينه بعد التخرج من المدرسة الحميدية أستاذًا في المدرسة المحمودية، وأُسند إليه تدريس الحديث الشريف، وتفسير القرآن الكريم، وتعليم الفقه الإسلامي في بداية أيامه، فإنه دَرَسَ وأتقن في التدريس، وأفاد كثيرًا، فاستفاد منه الكثير، وتتلمذ عليه عدد كبير من العلماء، وما زال دَرْسُ الحديث الشريف وعلومه في المدرسة المحمودية إلى أكثر من نصف قرن، وأعدَّ جيلًا متعلمًا جديدًا، وأتحفه بالعلم والصلاح.
المساهمات العلمية:
كان الشيخ عبدالعزيز الصديقي خطيبًا بارعًا، وكاتبًا قديرًا، كتب العديد من الرسائل والمقالات التي تناولت قضايا الفقه والعقيدة، والتربية الإسلامية، وسعى من خلالها إلى تقديم رُؤًى وأفكار جديدة، تتماشى مع متطلبات العصر، شارك في العديد من المؤتمرات، والندوات العلمية والإصلاحية؛ حيث ألقى خطبًا قيِّمةً، وأسهم في مناقشة قضايا معاصرة تُهِمُّ المسلمين في البلاد.
الأثر الاجتماعي والإنجازات:
إلى جانب دوره الدعوي والعلمي، كان للشيخ عبدالعزيز الصديقي دورٌ كبير في تحسين الأوضاع الاجتماعية في المجتمع، أسَّس جمعية العلماء لدولة نيبال سنة 2008م، وأصبح رئيسًا لها، وقام من خلالها بقيادة المسلمين، وتقديم الدعم، والمساعدة للفقراء والمحتاجين في البلاد، كان يؤمن بأن التعليم هو السبيل الأمثل للنهوض بالمجتمع؛ لذلك عمِل على إنشاء مدارس ومعاهد تهدف إلى توفير التعليم الجيد لأبناء الفقراء والمحتاجين، وفي الحين الذي كانت فيه تجري عملية وضع قانون جمهوري لدولة نيبال، وظهرت محاولات لمنع المسلمين من حقوقهم الدينية، وتنفيذ قانون هندوسي في البلاد، نهض الشيخ عبدالعزيز الصديقي مع أصحابه، ورفَعَ راية الإسلام، وجمع المسلمين في الشوارع، وقام بمظاهرات حاشدة ضد الحكومة، وبلغ صوت المسلمين إلى الرئاسة العليا من منبر جمعية العلماء، حتى تم قبول قرار منح المسلمين حقوقهم.
وعندما ظهرت فتنة القاديانية والشكيلية في أنحاء البلاد في أواخر القرن العشرين، قام بتأسيس “مجلس تحفظ ختم نبوت” سنة 1996م؛ لاستأصال شأفة المدَّعِين النبوة، والمبتدعين، وللحفاظ على العقيدة الإسلامية الصحيحة النقية.
مكانته في المؤسسات والجمعيات:
الرئيس العام للمدرسة المحمودية.
الرئيس العام والمؤسس لجمعية العلماء بدولة نيبال.
الرئيس والمؤسس لمجلس تحفظ ختم النبوة.
رئيس رابطة مدارس دار العلوم ديوبند بدولة نيبال.
المشرف العام على عشرات المدراس والمعاهد في جمهورية نيبال.
الإرث والوفاة:
تُوفِّيَ الشيخ عبدالعزيز الصديقي ليلة الجمعة في 26 من يونيو سنة 2024م، بعد حياة حافلة بالعطاء، والعمل الصالح، لكنه ترك إرثًا غنيًّا من العلم والعمل الخيري، ما زال تأثيره ملموسًا حتى اليوم من خلال مؤلفاته وتلاميذه الذين يواصلون نشر رسالته، يُعَدُّ الشيخ الصديقي نموذجًا يُحتذى به في التزامه بتعاليم الإسلام وخدمته للمجتمع، وسيظل اسمه خالدًا في ذاكرة الأجيال القادمة في البلاد.
الخاتمة:
في الختام، يمكن القول: إن الشيخ عبدالعزيز الصديقي كان شخصية استثنائية قدمت الكثير للدين والمجتمع، لقد كان نموذجًا للعالم العامل الذي يجمع بين العلم والعمل الخيري، وساهم بجهوده المخلصة في تحسين حياة المسلمين، إن دراسة حياته وأعماله تعكس أهمية الالتزام بالقيم الإسلامية، والعمل من أجل الخير العام، وتبقى ذِكراه مصدرَ إلهامٍ للجميع.