حكم بيع الذهب والفضة والألماس عبر الانترنت (PDF)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فهذا بحث عن:
«حكم بيع الذهب والفضة والألماس عبر الانترنت»
وهو المبحث السادس لباب بيع العملات والذهب عبر الانترنت المشتمل على عدة مباحث:
♦ علة الربا في الذهب والفضة ودخول الأوراق النقدية في حكمهما.
♦ حكم القبض بالقيد المصرفي.
♦ حكم بيع العملات بنظام الفوركس والمتاجرة بالهامش.
♦ حكم التعامل بالعملات الرقمية (البتكوين).
♦ حكم شراء الذهب والفضة عبر البطاقة الائتمانية.
♦ حكم بيع الذهب والفضة والألماس عبر الانترنت.
♦ حكم شراء الساعات أو الحواسيب التي بها ذهب يسير تابع.
♦ حكم أجهزة الجوالات والأقلام المطلية بالذهب.
المدخل إلى المسألة:
♦ التوكيل جائز في عقود الصرف بالإجماع.
♦ صحة بيع السلم وما في الذمة شيء واشتراط تحقق القبض بين الربويات شيء آخر.
♦ عدم تعيين الذهب بعد إبرام العقد ينافي تحقق القبض.
♦ قياس عدم تعيين صرف العملات النقدية في الحوالات الالكترونية على شراء سبائك الذهب بغير تعيين قياس مع الفارق.
♦ الألماس ليس من المطعومات ولا من الأثمان فلا علة ربوية تظله.
مقدمة:
روى مسلم في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ )[1].
وعلم من ذلك كما سبق في مبحث “علة الربا في الذهب والفضة ودخول الأوراق النقدية في حكمها” أن علة الربا هي مطلق الثمنية فيدخل في هذه العلة الأوراق النقدية، فلا يجوز بيع الذهب أو الفضة بالعملات الورقية إلا بتحقق القبض في مجلس العقد.
والحلي المصوغ من الذهب والفضة له حكم السبائك في اشتراط البيع يداً بيد والتساوي، لما جاء في صحيح مسلم عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَّلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ)[2].
وروى البيهقي في سننه من طريق الزهري أخبرني سالم: (أن عبد الله بن عمر كان إذا كان للرجل عليه الذهب أو الورق خيره حين يقضيه أي الصنفين أحب إليك ثم يقضيه بصرف الناس أو يصرف فيقبضه فإذا قبل ذلك الرجل لم ير به عبد الله بأسا) [اختلف في رفعه ووقفه، ورجح شعبة والدارقطني وقفه][3].
فعلم منه كما سبق في مبحث “حكم القبض بالقيد المصرفي” أن القيد المصرفي يقوم مقام القبض الحسي، فالقبض يحصل بما يحصل به عرفاً وابن عمر رضي الله عنهما أجاز صرف الدنانير بالدراهم من غير تحقق القبض الحسي لهما في مجلس العقد، وعليه فإذا تم القيد المصرفي حساب البائع في مجلس العقد فقد تحقق القبض.
صورة المسألة:
ما لو أراد إنسان شراء سبيكة من الذهب معروضة في أحد المتاجر عبر الانترنت وتم إبرام العقد ودفع قيمتها عبر الانترنت.
تحرير محل النزاع:
اتفق أهل العلم على جواز التوكيل في صرف الذهب والفضة، قال ابن المنذررحمه الله:
“أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوكالة في الصرف جائزة فلو وكل رجل رجلاً يصرف له دراهم، ووكل آخر يصرف له دنانير فالتقيا وتصارفا صرفا ناجزاً أن ذلك جائز وإن لم يحضر الموكلان أو أحدهما “[4].
واتفقوا على صحة بيع الذهب بالعملات الورقية إذا كان القبض حقيقياً يداً بيد، واختلفوا فيما إذا كان الدفع عبر الانترنت.
حكم بيع الذهب والفضة عبر الانترنت
يمكن إجمال حكم بيع الذهب والفضة عبر الانترنت إلى حالين:
الأولى: أن يكون البائع غير المصرف (البنك)
صورة ذلك أن يكون هناك متجر لبيع الذهب عبر الانترنت ويدخله المشتري فيختار الذهب الذي يريد ثم يبرم العقد ويدفع الثمن ويُشحن إليه الذهب.
ففي هذه الحال يحرم البيع ولا يصح لعدم تحقق القبض في مجلس العقد؛ وذلك أن المشتري لن يستلم الذهب إلى بعد انتهاء مجلس العقد.
ويمكن تصحيح هذه المعاملة بأحد أمرين:
• الوعد بالشراء بحيث يُرجأ إبرام العقد إلى حين وصول الذهب أو الفضة للمشتري ومن ثم يُبرم العقد عن طريق المندوب.
• توكيل المشتري للبائع بإبرام العقد نيابة عنه وتحويل المال إليه قبل إبرام العقد بحيث يقوم المتجر بإبرام الصفقة عن الطرفين بشرط وجود الذهب أو الفضة في حوزة المتجر حين ابرام العقد حتى يتحقق القبض.
الثانية: أن يكون البائع هو المصرف (البنك)
وصورة ذلك أن يكون المصرف لديه متجر لبيع الذهب وعند الشراء يتولى المصرف خصم المبلغ من رصيد المشتري مباشرة وتسجيل الذهب في حسابه.
والحكم على هذه الصورة لا يخلو من ثلاثة صور:
الأولى: أن يكون الذهب ليس في حوزة المصرف، ففي هذه الصورة لا يجوز البيع حتى ولو تم تقييد الذهب في حساب العميل؛ لعدم تحقق القبض الشرعي، وهذه تكاد تكون هي أكثر الصور المنتشرة في بيع الذهب عبر المصارف.
الثانية: أن يكون الذهب في حوزة المصرف مملوكاً له أو موكلاً في بيعه ولكن عند إبرام العقد لا يتم فرز الذهب الموجود لدى المصرف، وإنما يتم تسجيل مقدار الذهب المُشترى باسم العميل فقط بدون تعيين عين السبيكة، كأن يُقيد في حساب العميل أن له 50 جراماً من الذهب عيار 24 وخصمها من حساب المصرف البائع للذهب فقط بدون تعيين رقم السبيكة.
فهذه الصورة يكتنفها جانبان من حيث تحقق القبض:
• هل نلحقها باشتراط التعيين لنص الحديث على القبض يداً بيد، وأنها سلعة لم تقبض بعد، والقبض لا يتحقق في الموزون بمجرد التخلية بل لابد من تعيين عين الذهب المشترى وعليه فتبطل المعاملة بذلك.
• أو نقول كما أن العملات الورقية عند تحويلها رقمياً عبر المصارف بعملة أخرى تتم من غير تعيين عين العملات، وعند الدفع في المتاجر التي حسابها بالدولار عبر بطاقة خصم فوري بالريال فإن الصرف يتم بدون تعيين، فكذلك يكون شراء الذهب بالعملات الورقية عبر الانترنت بنحو ذلك لا سيما مع تحديد العيار والوزن وتماثل السبائك التي عند المصرف فتكون كأنها مصارفة ريالات بدولارات.
والذي يظهر أن الأقرب الأول وذلك أن المشتري لا يمكنه التصرف فيها قبل فرزها وتعيينها، وشراء السبيكة شراء عين وليس صرف مال في الذمة كالذي أجازه ابن عمر رضي الله عنهما، والذي أجازه ابن عمر آل إلى التعيين في مجلس العقد، وعليه فلا تصح هذه الصورة.
الثالثة: أن يكون الذهب في حوزة المصرف مملوكاً له أو موكلاً في بيعه وعند إبرام العقد يتم فرز الذهب الموجود لدى المصرف، وتسجيله باسم العميل بما تتميز به هذه السبيكة المشتراة عن غيرها كالتقييد برقم السبيكة ونحوه، مع تمكن المشتري من التصرف في السبيكة فور إبرام العقد، فهذه الصورة الأقرب فيها الجواز لتحقق القبض الشرعي إذ إن المصرف (البائع) سيخصم من حساب العميل الذي لديه عند إبرام العقد وسيسجل الذهب في حساب المشتري مباشرة.
وقد أجازت المعايير الشرعية صورة من صور القبض الحكمي في شراء السبائك الذهبية، فقالت ما نصه:
” ويتحقق القبض الحكميّ بتعيين السبيكة، وتمكين المشتري من التصرف بها، أو بقبض شهادة تمثل ملك سبيكة معينة، ومميزة عن غيرها (Allocated) بأرقام للسبيكة، ونحوها من العلامات المميزة لها عن غيرها، على أن تكون الشهادة صادرة في يوم إنشاء التعاقد (TradeDate“T+0) من جهات معتبرة قانونًا وعرفًا، تخول المشتري قبض السبيكة المشتراة قبضًا حسيًّا متى ما شاء”[5].
حكم بيع الألماس عبر الانترنت
الألماس ليس من المطعومات ولا من الأثمان التي يتقايض بها في البيع والشراء فلا يعد من الأصناف الربوية، وقد سبق بحث علة الربا في الذهب والفضة في مبحث “علة الربا في الذهب والفضة ودخول الأوراق النقدية في حكمهما” وذكرنا أن الراجح أن علتها مطلق الثمنية ولا يدخل في ذلك الألماس.
وعلى هذا فلا حرج من بيعه وشرائه عبر الإنترنت، بشروط السلم الحال، ومنها أن يضبط وصفه بوصف منضبط محدد دقيق وفي الألماس بالذات يشترط اصطحاب رؤيتة بصور أو مقطع مرئي أو نحوه، إذ إن أوصاف الألماس تختلف ويختلف معها السعر اختلافاً كبيراً، فلا يباع إلا بوصف دقيق يمكن لأصحاب الخبرة تمييزه به مع رؤيته بأي وسيلة كانت عبر الانترنت أو غيره.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “أما ما لا يمكن انضباطه بالصفة، كالجواهر واللآلئ وما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يباع بالوصف؛ لأنه يختلف اختلافًا عظيمًا، فرب خرزة من اللؤلؤ تساوي – مثلًا – ألف ريال، وأخرى لا تساوي عشرة ريالات فلا يمكن ضبطها، فلا بد أن يمكن انضباطه بالصفة، ولا بد أن يضبط – أيضًا – بالصفة بحيث تحرر الصفة تحريرًا بالغًا، حتى لا يحصل اختلاف عند التسليم“[6].والله أعلم
[3] روي مرفوعًا وموقوفًا.
فأما المرفوع فقد تفرد به سماك بن حرب عن سعيد بن جبير، رواه النسائي (6131، 6136، 6137)، وأبو داود (3354)، والترمذي (1242)، وأحمد (4977، 5333، 5655، 5659، 5732، 5877، 6348، 6538)، ابن الجارود (712)، وابن حبان (4920)، والحاكم (2298)، والدارمي (2623)، وابن ماجه (2262)، والبيهقي (10624، 10625، 10807)، والدارقطني (2875)، والطيالسي (1980)، وأبو يعلى (5655)، وابن أبي شيبة (22950)، والطحاوي (1246، 1247، 1248)، والطبراني في “الكبير” (13726، 13727) والطبراني في “الأوسط” (4142).
وأما الموقوف فقد رواه البيهقي (11690، 11691) بإسناد صحيح بلفظ: (أن عبد الله بن عمر كان إذا كان للرجل عليه الذهب أو الورق خيره حين يقضيه أي الصنفين أحب إليك ثم يقضيه بصرف الناس أو يصرف فيقبضه فإذا قبل ذلك الرجل لم ير به عبد الله بأسا)، ونحوه رواه ابن المنذر (8049)، وسعيد بن منصور في تغليق التعليق (3/ 294) وهو ثابت.
وجاء عن الطبري (658، 660)، وابن الجعد (132). بإسناد صحيح.
قال الدارقطني في العلل (13/ 184): “لم يرفعه غير سماك، وسماك سيء الحفظ“.
وقال الترمذي (1242): “هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفًا...“.
كما أشار البخاري إلى إعلال الرواية المرفوعة بالرواية الموقوفة في التاريخ الكبير (1/ 46).
وذكر ابن عبد البر في التمهيد (16/ 15): “فقال شعبة: أصلحك الله، هذا حديث ليس يرفعه أحد إلا سماك، وقد حدثنيه قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، ولم يرفعه. وأخبرنيه أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يرفعه، ورفعه سماك، وأنا أفرق منه“.
[5] قرار المعايير الشرعية الصادر عن هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، في المعيار رقم: 57
[6] الشرح الممتع (8/ 150).