أهل الاتباع
أهل الاتباع
لماذا سُموا بأهل الاتباع؟ لاتباعهم الكتاب والسنة، وآثار السلف الصالح.
يستحسن بين يدي تناول الكلام عن “أهل الْاِتِّبَاع” بيان معنى الْاِتِّبَاع في المفهوم اللغوي والاصطلاحي.
أولًا: الْاِتِّبَاع في المفهوم اللغوي:
قال ابن فارس:
“(تبع) التاء والباء والعين أصل واحد لا يشذُّ عنه من الباب شيء وهو التّلو والقّفْو، يقال: تبعت فلاناً إذا تلوته واتبعته”[1].
ثانيًا: الْاِتِّبَاع في المفهوم الاصطلاحي:
قال الإمام أحمد – (ت: 241هـ) – رحمه الله -: “هو أن يتَّبع الرجل ما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وعن أصحابه، ثم هو من بعدُ في التابعين مخيَّر”.
وقال ابن عبد البر(ت: 461هـ) – رحمه الله -: “الاتباع ما ثبت عليه الحجة، وهو اتباع كلِّ من أوجب عليك الدليلُ اتباعَ قوله، فالرسول- صلى الله عليه وسلم – هو المثل الأعلى في اتباع ما أمر به”[2].
ثالثًا: المفهوم العام للْاِتِّبَاع:
يقول الباحثُ – عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ -: والْاِتِّبَاع هو: التمسك بالكتاب والسنة وفَهمهما بفهم سلف الأمة، وسلوك الصراط المستقيم لا يكون إلا باتباع سبيل المؤمنين وسلوك سبيلهم واقتفاء آثارهم، والانقياد لأوامر الشرع استسلامًا وخضوعًا وتذلَّلًا، وعدم شق عصا الطاعة بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم.
رابعًا: أساس الْاِتِّبَاع ومبناه:
يقول الباحثُ – عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ -:
والْاِتِّبَاع أُسُه وأساسه الأصيل ومبناه المتين مبنيٌ على اتباع سبيل المؤمنين الأولين من المهاجرين والأنصار، والاحتجاجُ بفهم أئمَّة السَّلَف وما كانوا عليه من الاعتقاد والعلم والعمل وفَهم للدِّين، وسلوك سبيل من اتبعوهم بإحسان ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم الذين ذكر الله أمرهم في محكم آياته، تفخيمًا لشأنهم وإجلالًا لقدرهم وبيانًا لعلو منزلهم فقال جلَّ في علاه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
قال عبد الله بنِ مسعود (ت: 32هـ) – رضي الله عنه -:
“إنَّ الله نظَرَ في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمَّدٍ خيرَ قلوبِ العباد، فبَعَثه برسالته، ثمَّ نظر في قلوبِ العبادِ بعد قلبِ محمَّدٍ، فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوبِ العباد، فاختارهم لصُحبةِ نبيِّه ونُصرةِ دينه؛ فما رآه المسلمون حَسَنًا فهو عند الله حَسَنٌ، وما رآه المسلِمون قبيحًا فهو عند اللهِ قبيحٌ”[3].
وقال ابنُ عبَّاسٍ (ت: 68هـ) – رضي الله عنهما- للخوارج:
” أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ – وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ – وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ”[4].
وقال حذيفةُ بن اليَمان(ت: 36هـ) – رضي الله عنه -:
“كلُّ عبادةٍ لم يتعبَّدْها أصحابُ محمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ – فلا تَعبَّدوها؛ فإنَّ الأوَّلَ لم يدَعْ للآخِرِ مَقالًا؛ فاتَّقوا اللهَ يا مَعشرَ القُرَّاءِ، وخذوا بطريقِ من كان قبلَكم”[5].
وقال الإمام الأوزاعي (ت: 157هـ) – رحمه الله -:
“عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإيّاك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول؛ فإن الأمر ينجلي – حين ينجلي – وأنت على طريق مستقيم”[6].
فهؤلاء هم الذين أمر الله عباده باتباع سبيلهم واقتفاء آثارهم، ولزوم جماعتهم وعدم شق عصا الطاعة بالخروج عن سبيلهم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
فقد رتَّب الله تعالى أشد العقوبة على هذه المُشاقَّة، للذي اتبع غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ سبل الْهُدَى والرشاد- عقيدة، وشرعة، ومنهاجًا-. وذلك بأن وَكَلَه إلى من تولاه من النفس والهوى والشيطان في الدنيا، وَسيصْلِيهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا في الآخر.
وهي عقوبة عادلة موافقة لجُرم من حادَّ الله بعدم متابعة ما جاء به رسوله – صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – واتباع سبيل غير سبيل المؤمنين، بأن شق عصا الطاعة، فلم يكن مع جماعة المسلمين وإمامهم، فصار في جانبٍ وما شرع الله وأمر به في جانبٍ آخرَ.
[1] مقاييس اللغة: (1/ 362).
[2] يُنظر: أضواء البيان: (7/ 548). تفسير الشنقيطي: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان عام النشر: 1415هـ – 1995م.
[3] أخرجه الطيالسي في مسنده: (243).
[4] يُنظر: نصب الراية، للزيلعي: (3/ 461). نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (المتوفى: 762هـ) قدم للكتاب: محمد يوسف البَنُوري صححه ووضع الحاشية: عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، إلى كتاب الحج، ثم أكملها محمد يوسف الكاملفوري المحقق: محمد عوامة الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر – بيروت – لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية – جدة – السعودية الطبعة: الأولى، 1418هـ/ 1997م عدد الأجزاء: 4.
[5] رواه ابن المبارك في الزهد: (47).
[6] يُنظر: شرف أصحاب الحديث: (ص: 6)، الشريعة للآجري: (ص: 124)، سير أعلام النبلاء: (7/ 120)، طبقات الحنابلة: (1/ 236).