ويل للعرب من شر قد اقترب
ويل للعرب من شر قد اقترب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد جاءت عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وعيد وتحذير للعرب من شرورٍ قد اقتربت منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب)) خصَّ الرسول عليه الصلاة والسلام العرب؛ لأنهم أول من دخل في دين الإسلام، ولأنهم حملة الرسالة، قال الإمام القسطلاني رحمه الله تعالى: خصَّ العرب بالذكر؛ لأنهم أول من دخل في الإسلام. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وخصَّ العرب بذلك؛ لأنهم حملة الرسالة، وإلى ديارهم ترجع الرسالة، فإن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها.
ومن الشرور التي حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب منها: نقص العلم، وكثرة القتل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، ينقص العلم، ويكثر الهرج))، قلت: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: ((القتل))؛ [رواه الإمام أحمد، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله: حديث صحيح].
ونقص العلم يكون بموت العلماء، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا))؛ [متفق عليه].
ومن الشرور التي حذَّر الرسول عليه الصلاة والسلام العرب منها: فتح ردم يأجوج ومأجوج، فعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرًّا وجهه وهو يقول: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه))، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثُر الخبثُ))؛ [متفق عليه].
وفتح ردم يأجوج ومأجوج يحتمل أنه فُتِحَ فتحًا حسِّيًّا، ويحتمل أنه فُتِح فتحًا معنويًّا، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يحتمل أنه فتح حسِّي، وأن هذا الردم بدأ ينهار، والردمُ بناه ذو القرنين، ويحتمل أنه فُتِحَ فتحًا معنويًّا لا حسيًّا، وأنه في آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام بدأ يتسلل إلى الناس من تلك الجهة ليفتنوا الناس في دينهم.
ومن الشُّرور التي حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب منها: الفتن العظيمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا، المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال: على الشوك))؛ [رواه الإمام أحمد، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، دون قوله: المتمسك يومئذٍ بدينه…إلخ، فحسن لغيره].
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، من فتنة عمياء صماء بكماء، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، وويل للساعي فيها من الله يوم القيامة))؛ [رواه ابن حبان في صحيحه، قال العلامة الألباني: حسن صحيح].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: ((إنها سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلاهَا فِي النَّار، اللِّسانُ فيها أشدُّ من وقعِ السَّيفِ))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وضعفه العلامة الألباني]، قال العلامة السهارنفوري رحمه الله: ((إنها سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ))؛ أي: تستوعبهم هلاكًا، ((قَتْلاهَا فِي النَّار)) لقتالهم على الدنيا واتباعهم الشيطان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، أظَلَّت ورب الكعبة، أظَلَّت ورب الكعبة، والله لهي أسرع إليهم من الفرس المضمر السريع…الفتنة، الفتنة العمياء الصماء المشبهة، يصبح الرجل فيها على أمر، ويمسي على أمر، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ولو أحدثكم بكل الذي أعلم لقطعتم عنقي من ههنا، وأشار إلى قفاه، ويقول: اللهم لا تدرك أبا هريرة إمرة الصبيان”؛ [رواه ابن أبي شيبة].
وخصَّ النبي عليه الصلاة والسلام العرب بالإنذار والتحذير من الفتن؛ لأنهم من أسرع الناس هلاكًا فيها إذا وقعت، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب)) إنما خصَّ العرب بالذكر…للإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم.
والفتن إذا وقعت ينبغي كفُّ اليد عنها، وعدم السعي فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، أفلح من كفَّ يده))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
قال العلامة شرف الحق محمود أشرف الصديق العظيم آبادي رحمه الله: ((أفلح))؛ أي: نجا، ((من كف يده))؛ أي: عن القتال والأذى.
ولخطورة الفتن على العرب فقد روي حديث بأن الموت خير من مباشرتها، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: قد جاء في حديث أبي هريرة رفعه: ((ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، موتوا إن استطعتم))، قال: وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها، حيث جعل الموت خيرًا من مباشرتها، وأخبر… بوقوع الفتن… ليتأهبوا لها، فلا يخوضوا فيها، ويسألوا الله الصبر، والنجاة من شرها.
والفتن إذا ظهرت تكون مظلمة كسواد الليل البهيم، لا يتبين فيها الحق من الباطل؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا… الحديث))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
والفتن تذهل فيها العقول، نسأل الله السلامة والثبات على الدين؛ ولذا فإن السعيد من جُنِّب الفِتَن؛ فعن الْمِقْداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّب الْفِتَن، إنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّب الْفِتَن، إنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّب الْفِتَن، وَلَمَن ابْتُلِيَ فَصَبَرَ، فَوَاهًا))؛ [رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني].
وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن، وعظمت، والفتن إذا وقعت لا يسلم منها إلا من عصمه الله، قال شيخ الإسلام رحمه الله: “الفتنة إذا وقعت لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله”.
والنجاة من الفتن يكون بأمور ذكرها العلماء، قال الإمام الآجري رحمه الله: الفتن على وجوه كثيرة…فمن أراد الله تعالى به خيرًا فتح له باب الدعاء، والتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه، وحفظ لسانه، وعرف زمانه، ولزم الحجة الواضحة والسواد الأعظم، ولم يتلوَّن في دينه، وعبد ربه عز وجل، فترك الخوض في الفتنة.
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: إذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك، وفِرَّ من جوار الفتنة. وقال العلامة السعدي رحمه الله: من فرَّ بدينه من الفتن سَلَّمه الله منها، وأن من حرص على العافية عافاه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله.
وقال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: طريق النجاة من صنوف الفتن هو التمسُّك بكتاب الله وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام… كل أنواع الفتن…لا سبيل إلى التخلص منها، والنجاة من شرها إلا بالتفقه في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا وجميع المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.