ياسمينة


ياسمينة

في العيد الأخير، ذهبت أمي وخالاتي لزيارة قبر جَدَّتي رحمها الله، ومع أنهن يحفظن مكان القبر جيدًا، ويَعْلَمْنَه بعلامة؛ ألَا وهي وجود مسجد قبالته، مع علامات كثيرة أخرى؛ فقد لَبِثْنَ نصف ساعة يبحثن عن القبر، ولا يَجِدْنَهُ.

 

علامات من الدهشة والاستغراب والقلق طَفَت على وجوههن، وتساؤلات تائهة حائرة ملأت صدورهن، تُرى أين ذهب القبر؟ فكل شيء حوله موجود، إلا هو، حتى اضطرت خالتي في النهاية للاتصال بخالي، والاستفسار عن مكانه، أخبرها خالي بأن القبر لم يبرح مكانه، وذكَّرها بالعلامات، لكن عبثًا، وما صعَّب الأمر أكثر أنهن حين طَلَبْنَ مساعدة الحارس، أخبرهن بأن البقعة التي يبحثن فيها مليئة بقبور لأناسٍ تنتمي لنفس العائلة؛ فيَئِسْنَ من إيجاد القبر، وباءت محاولاتهن بالفشل، فلما ذهب خالي لزيارة القبر، قام بتصوير الطريق الموصل إليه، حتى إذا وصل أخيرًا، فُوجِئ بوجود شجرة ياسمين كبيرة تعرش عليه، وتُخفي معالمه عن الأنظار.

لكم كانت سعادتي كبيرة! ولكم تبسمت ملء روحي وأعماقي حين علمتُ بهذا الخبر؛ فلطالما عهدت جَدَّتي رحمها الله تحب الياسمين ورائحته، وللياسمين مع القبور سرٌّ عميق لا ريب في الأمر، في اعتباري على الأقل، فقد سبق وكانت لي قصة أخرى معه قديمًا، جعلتني أحب الياسمين أكثر، وأنجذب إلى نصاعته وبياضه وأريجه طواعيةً، وعَبَقِه الحلو المميز، وجعلتني أدرك بل وأتيقن بأن من ظهرت على قبره ياسمينة؛ فهو بهيُّ القلب ناضر، والله تعالى أعلم.

 

تُرى ماذا كان بينكِ وبين الله يا جَدَّتي حتى يُظلِّل قبرك ياسمينة، تشبه نقاء روحك، وبياضها الآسر النادر؟ وأي قلب كنتِ تحملين بين ضلوعكِ، حتى حملتكِ الياسمينة بين ضلوعها، وضمَّتكِ وغمرتكِ كلَّكِ، وأخفت آثاركِ عن العيون، وكأنها تغار عليكِ؛ فلم يَعُد يُرى لكِ من أثَرٍ سوى بياض الياسمين؟!





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الوجيز في نشأة الكون ونهايته بين النظريات العلمية والقرآن (1)
{وهو الخلاق العليم}