حق المطالبة في كفالة الغرم والأداء


حقُّ المطالبة في كفالة الغُرم والأداء

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

تعريف الكفالة: ضمُّ ذِمَّة الكفيل إلى ذِمَّة الأصيل في المطالبة بنفسٍ، أو دَينٍ، أو عين[1].

 

وبهذا التعريف يتبين أن ذمة كلٍّ من الأصيل والكفيل مشغولة بالدَّين جميعًا في كفالة الغُرم والأداء.

 

حق المطالبة في كفالة الغرم والأداء[2]:

اختلف أهل العلم في حكم مطالبة الكفيل بالدَّين دون الأصيل؛ على قولين:

الأول وهو قول الجمهور: على أن الدائن مُخيَّر بين إقامة الدعوى على الأصيل، أو على الكفيل، أو عليهما معًا[3]، وإذا صدر حكم قضائيٌّ عليهما، ورفضا تنفيذه، يُسجنان معًا.

 

الثاني وهو قول المالكية: إن الدعوى لا تُقام على الكفيل إلا بتعذُّر قيامها على الأصيل، بموت، أو مماطلة، أو عجز، أو نحوها[4].

 

تفصيل الخلاف:

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الدائن المكفول له يستطيع أن يطالب الكفيل بأداء الدَّين عند حلوله، دون أن يتقيَّد بتعذُّر مطالبة الأصيل المكفول عنه، كما يستطيع أن يطالب الأصيل به عند حلول أجَلِهِ عليه؛ لأن ذمة كل منهما مشغولة بالدَّين جميعه، فكان له مطالبة أيهما شاء اجتماعًا وانفرادًا.

 

أما المالكية[5]، فعندهم رواية – جرى عليها العمل في بعض البلاد – وهو الأظهر، تقرِّر نفس الحكم، وعندهم رواية أخرى لا تُجيز للدائن المكفول له أن يطالب الكفيل بالدَّين المكفول به، إذا كان الدَّين حالًّا، والأصيل حاضرًا موسرًا، ليس ذا لَدَدٍ في الخصومة، ولا مماطلًا في الوفاء، أو كان الأصيل غائبًا، وله مال حاضر ظاهر، يمكن الاستيفاء منه بدون بُعْدٍ ومشقة، وهذا إذا لم يكن قد اشترط في عقد الكفالة أن يأخذ الحق من أيهما شاء، وذلك أن الدَّين إنما وجب ابتداءً على الأصيل، والكفالة وثيقة، فلا يُستوفَى الحق منها إلا عند تعذُّر استيفائه من الأصيل؛ كالرهن[6].

 

والحمد لله رب العالمين.


[1] وهذا تعريف جمهور الحنفية؛ [انظر: الموسوعة الكويتية (34/ 288)].

[2] ويسميها بعض الفقهاء بالضمان.

[3] ينظر: حاشية الدسوقي (3/ 237)، بدائع الصنائع (6/ 10)، ونهاية المحتاج (4/ 431)، والمغني (5/ 83).

[4] ينظر: الخرشي (5/ 33)، والدسوقي والدردير (3/ 337) وما بعدها، ومنح الجليل (3/ 25)، منح الجليل شرح مختصر خليل (6/ 217)، حاشية الجمل (3/ 388)، الحاوي الكبير (6/ 437)، الشرح الكبير (13/ 8)، إغاثة اللهفان (2/ 37)، شرح منتهى الإرادات (2/ 123)، حاشية الروض المربع (5/ 100).

[5] قال في التاج والإكليل عند شرح قول خليل المالكي في مختصره: “ولا يطالب إن حضر الغريم موسرًا، من المدونة قال مالك: من تحمَّل برجلٍ أو بما عليه، فليس للذي له الحق إذا كان الغريم حاضرًا مليًّا أن يأخذ من الكفيل شيئًا إلا ما عجز عنه الغريم، ابن يونس: قال بعض أصحابنا: لأن الحميل إنما أخذ توثقةً فأشبه الرهن، فلما كان لا سبيل إلى الرهن إلا عند عدم المطلوب، فكذلك لا سبيل على الكفيل إلا عند عدم المطلوب”.

[6] الموسوعة الكويتية (34/ 309).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
نقض شبهة تقديم دليل العقل على النقل في نفي الصفات والرد على الشبهات المتعلقة به (مع التطبيق) (PDF)
إذا ضاقت عليك الحياة