تأملات في سورة الكهف (خطبة)
تأملات في سورة الكهف
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فمن ينظر إلى حياة الأفراد والشعوب، والمجتمعات والدول، يجد أنها بَنَت ملاجئَ مثل الكهوف تحت الأرض؛ لتحمي أفرادها من الفتن والحروب والصراعات، ولأن حياتنا اليوم تعصف بها الكثير من الفتن والصراعات والحروب، ويعتريها الهم والقلق، ونحتاج بسبب ذلك كله إلى كهف نجد من خلاله النجاة، فقد أمرنا ديننا يوم الجمعة من كل أسبوع بقراءة سورة الكهف؛ لأن فيها طوقَ نجاةٍ، وقد تطرَّقَتْ لأسباب كثيرٍ من الاختلالات في دين الإنسان وسلوكه وحياته؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين))؛ [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 736].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حفِظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصِم من فتنة الدَّجَّال))؛ [صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 582]، وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصِم من الدجال، وفي رواية: من آخر سورة الكهف))؛ [رواه مسلم].
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق))؛ [رواه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني].
والنور المذكور – كما قال العلماء – قد يكون نورًا معنويًّا يهديه ويمنعه من المعاصي والذنوب، وقد يكون نورًا حسيًّا يسطع يوم القيامة من تحت قدمه حتى يبلغ البيت العتيق في السماوات العلا.
عباد الله: لقد عالجت سورة الكهف بما فيها من توجيهات ربانية، وقصص وأخبار غيبية، وأحداث وقعت في الدهور الغابرة – أعظمَ أنواع الفتن التي تُصيب الإنسان، ونعيشها في واقع حياتنا اليوم؛ وهي فتنة الدين، وفتنة المال، وفتنة العلم، وفتنة السلطة والمنصب والسلطان.
كان أصحاب الكهف من أبناء الأكابر والأغنياء، وجدوا انحراف قومهم عن الدين بعبادتهم الأصنام والأوثان، والتعلُّق بالدنيا ونسيان الآخرة، فحاولوا إصلاح ما يمكن إصلاحه: ﴿ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 15]، لكنهم تعرضوا لحرب شعواء واضطهاد؛ فخافوا على دينهم وعقيدتهم التي هي رأس مالهم، فقرروا اللجوء إلى كهف مظلم مُوحِش، مخيف ضيق؛ ليحفظوا دينهم، تبًّا للحياة في القصور العالية بدون دين، تبًّا للحياة بأموالها وكنوزها بدون دين، تبًّا للحياة بمناصبها وسلطانها بدون دين، تبًّا للحياة بأتباعها وجنودها بدون دين؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ﴾ [الكهف: 9 – 11].
إن حسن الظن بالله دفع الفتية أصحاب الكهف الذين خالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته سبحانه، ففارقوا أقرب الناس؛ فرارًا إلى الله، وطلبًا لرضاه، وخوفًا على دينهم، من الشرك والفسوق والعصيان، واستبدلوا لأجل مرضاته ضيق الكهف بسعة العيش الرغيد، فما كان إلا أن وسَّعه الله عليهم بما نشر لهم فيه من رحمته: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].
وتأملوا قوله تعالى: ﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الكهف: 16]، فيعلم العبد أن رحمة الله واسعة إذ بعضها – أو قدر معلوم عند الله منها – يكفي ليجعل ذلك الكهف، أو ذلك السجن، أو تلكم الزنزانة، جنَّة أو روضة من رياض الجنة، وهنا ينكشف العجب في شأن القلوب المؤمنة، فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم، ويهجُرون ديارهم، ويفارقون أهلهم، ويتجرَّدون من زينة الأرض ومتاع الحياة، هؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم، كل ذلك لتبقى جذوة الإيمان والعقيدة مُتَّقِدةً في القلوب، وتظهر آثارها على الجوارح، ومن خلالها تُبنى الدنيا وتعمر الآخرة.
معاشر المسلمين: وفي سورة الكهف ذُكِرت فتنة المال في قصة صاحب الجنتين؛ قال تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 32، 33]، أي نعمة هذه؟! منظر بديع، وثمار يانعة، وماء جارٍ، الأصل بعد هذه النِّعَمِ أن يكون هناك شكر للمُنْعِمِ سبحانه، لكن المال والمتاع بدون إيمان يصبح غرورًا وتكبرًا وترفًا؛ قال تعالى: ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34]، ولم يكتفِ بهذا، فقد أوردته فتنةُ المال أوديةَ الهلاك، وطرق الضياع، وفُتِنَ حتى ظن أنه لن يموت، وهكذا المال يجعل النفوس تغفُل عن الموت والدار الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].
بل ظن أن الله لما أنعم عليه في الدنيا، وفرضنا أن كانت هناك آخرة، فلا بد أن يُنعِمَ عليه في الآخرة، ولا تلازم بين هذا وذاك، بل هو سوءُ فَهمٍ، وانطماسُ بصيرةٍ؛ ذلك أن الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويُوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب.
عباد الله: لقد أخذ صاحبه يُذكِّره بنِعَمِ الله عليه، ويعالج انحراف عقيدته وعلاقته بالمال، وبمن أنعم عليه، لكنه الغرور والكِبْرُ والغفلة عندما تستحكم على القلوب، فتكون طريقًا للهلاك، وسببًا للعقاب، فبَعْدَ النعيمِ والمنظر البديع، والثمار اليانعة، والماء الجاري، والبساتين الغنَّاء، فجأة بين عشية وضحاها، تحوَّل كل شيء، وهَلَكَ كل شيء، أين ذهب المال؟ أين الأتباع والعشيرة؟ قال تعالى: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ﴾ [الكهف: 42، 43].
إن من مظاهر فتنة المال: عدم الاعتراف بالنعمة، وشُكْرَ الْمُنْعِمِ سبحانه، وعدم أداء حقوق هذا المال من البذل والعطاء، فلا يرى لله فيه حقًّا، ولا يستخدمه في تقديم النفع للعباد بإخراج زكاته، والإنفاق والتصدق بجزء منه، ويعتقد بأن هذه الأموال ما جمعها إلا بذكائه وحرصه.
وانظروا إلى الفتية أصحاب الكهف، لم تنسِهم الفتنة الأكلَ الحلال والمال الحلال، فعندما قاموا من نومهم، بَعَثُوا أحدهم سرًّا إلى المدينة ليأتيهم بأزكى طعامٍ؛ قال تعالى: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 19].
أيها المؤمنون:
ومن خلال سورة الكهف في قصة نبي الله موسى مع الخَضِرِ عليهما السلام، سنجد أهمية العلم وخطورة أن يصبح فتنة في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات، وتبدأ حكاية موسى مع الخضر عليهما السلام، حينما كان موسى يخطب يومًا في بني إسرائيل، فقام أحدهم سائلًا: هل على وجه الأرض أعلم منك؟ فقال موسى: لا، اتكاءً على ظنه أن لا أحدَ أعلم منه، فعَتَب الله عليه في ذلك؛ لماذا لم يَكِلِ العلم إلى الله؟
فأوحى الله إليه وقال: إن لي عبدًا أعلم منك وإنه في مجمع البحرين، وذكر له أن علامة مكانه هي فَقْدُ الحوت، فأخذ حوتًا معه في مِكْتَلٍ، وسار هو وفتاه يوشع بن نون، وحكت لنا سورة الكهف كيف التقى مع العبد الصالح الخضر؛ قال تعالى: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 65 – 70].
وفي رحلة طلب العلم هذه تعرض موسى عليه السلام لثلاثة مواقف؛ الأول خرق السفينة، والثاني قتل الغلام، والثالث بناء الجدار، ولم يدرك أسبابها، ولماذا قام بها الخضر، فكانت الإجابة على هذه التساؤلات على لسان الخضر في قوله تعالى: ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 79 – 82].
أيها المؤمنون عباد الله: إن العلم الصحيح يجعلك أقرب إلى الحق، وأعلم بما يدور حولك، وأقدر على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والمكان المناسب، والخضر عليه السلام ما قام بما قام به من تلقاء نفسه، وليس هذا من علم البشر، ولكن علمه الله؛ ولذلك قال: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.
الخطــبة الثانـية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد عباد الله:
فآخر القصص في هذه السورة قصة ذي القرنين، وهو عبد صالح، منحه الله تعالى الأسباب، وأعطاه الكثير من النِّعَمِ، وعلمنا كيف نتعامل مع الناس، وأحسن استثمار ما حباه الله تعالى به من الفضل والنعم، وكيف يكون العدل أساس الملك والحكم، وكيف جاب طِباقَ الأرض شرقًا وغربًا، وقام ببناء سدٍّ منيع، استخدم فيه قطع الحديد، وصبَّ عليها القِطْرَ، وهو النُّحاس المذاب، مستثمرًا بذلك طاقات الناس في تعمير الأرض بالبناء والعمل الصالح؛ قال الله سبحانه وتعالى مخبرًا عن ذلك: ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 95 – 97].
ثم خُتِمت السورة الكريمة ببشرى عظيمة، تحكي إكرام الله تعالى للمؤمنين، وما أعدَّه لهم من الدرجات العالية في الجنة، وما وهبهم من النعيم المقيم الذي لا يَحُول ولا يزول، مجازاة لإحسانهم، وإكرامًا لسعيهم، وتفضُّلًا منه تعالى عليهم، فمن أراد بلوغ الفردوس الأعلى، ونَيلَ رضوان الله تعالى، فعليه بالإخلاص والعمل الصالح.
وهناك إرشادات عظيمة في سورة الكهف لا يتسع المقام لذكرها، فعلينا تدبُّر معانيها، وقراءتها خاصة يوم الجمعة، وحفظ هذه السورة، أو على الأقل عشر الآيات من أولها، أو من آخرها؛ لِما ورد في فضل ذلك.
هـــذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أحوالنا، ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وارحمهما كما ربَّونا صغارًا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].