خطبة: وقفات مع سورة الحج


وقفات مع سورة الحج

 

خطبة الحاجة:

المقدمة:
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27].

 

أيها المسلمون، لن نتحدث في هذه الجمعة المباركة عن الحج وأركانه، وواجباته وآدابه وسننه، وإن كان الحديث عن ذلك من المهمَّات، ولكن سنقف في هذه الجمعة المباركة وقفات (مع سورة الحج).

هذه السورة التي نزلت بين مكة والمدينة، قال بعض العلماء عن هذه السورة أنها من أعاجيب القرآن الكريم، فيها المكي والمدني، ونزل بعضها في السفر وبعضها في الحضر، ونزل بعضها في العسر وبعضها في اليُسْر.

 

وفيها الحديث عن أصول الدين، بدءًا بالتوحيد، ثم الصلاة والحج والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعاد والجزاء، وخُتِمت السورة بذكر الصراع والخصام بين الحق والباطل، وكذلك تضمَّنت هذه السورة العظيمة الحديث عن يوم القيامة، والبعث والنشور، والعبودية لله تعالى، والإذن بالجهاد.

 

وتحدثت السورة عن إقامة الأدلة والبراهين على البعث بعد الموت، ثم الانتقال إلى دار الجزاء، لينال هذا الإنسان جزاءه، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ.

 

وتحدثت السورة عن بعض مشاهد يوم القيامة، حيث يكون الأبرار في دار النعيم، والفُجَّار في دار الجحيم.

 

ثم انتقلت السورة للحديث عن الحكمة من الإذن بقتال الكفار “وذلك لكفِّ شرِّهم عن أهل الإيمان والتوحيد، وتحدَّثت السورة كذلك عن القُرى التي دُمِّرَتْ، بسبب ظلمها وطغيانها، وذلك لبيان سنة الله تعالى في الحياة، وسنة الصراع والخصام بين الحق والباطل، وكذلك لتطمين المسلمين بأن العاقبة للمتقين الصابرين الثابتين على دين رب العالمين، العاملين بهدي وسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.

 

أيها المسلمون، ما أحوج المسلم اليوم إلى التزوُّد من المعين الصافي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم! كي يعان هذا المسلم على سيره إلى الله والدار الآخرة.

 

أيها المسلمون، ها نحن مُقدِمون على أيام فاضلة ومباركة، إنها عشر ذي الحجة التي تحمل في طيَّاتها النفحات والرحمات.

 

أيها المسلمون، كلما حل شهر ذي الحجة من كل عام، استراحت القلوب، وتطلَّعت العيون إلى بلد اصطفاها الله سبحانه وتعالى، وتنزَّلت في جنباتها آيات الكتاب العزيز.

 

وهكذا من وفقهم الله تعالى ويسَّر لهم الحج لهذا العام، فتسمع التكبير والتهليل، وهم متخففون من متاع الدنيا، ليس لهم من لباس الدنيا إلا إزار ورداء، يتذكرون لقاء الله تعالى، والوقوف بين يديه ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 7].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

قلت ما سمعتم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المسلمون، إن مواعظ القرآن الكريم مواعظ عظيمة لمن تدبَّر وتفكَّر وأعمل قلبه وعقله في تدبُّره آيات الكتاب العزيز، ثم انطلق في ميادين التطبيق والعمل، ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

 

أيها المسلمون، ومن الدروس في سورة الحج أن الشريعة الإسلامية تعتبر مدرسة تربوية لكل من نهل منها، وأخذ بما جاءت به.

 

ومن الدروس تعظيم شعائر الله، وأن تعظم هذه الأمة ما عَظَّمه الله في كتابه وما عَظَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة.

 

ومن الدروس أن هذه الأمة أمة واحدة، ربُّها واحد، ورسولها واحد، ودينها واحد؛ الإسلام، ودستورها هو القرآن والسنة المطهرة، فلماذا الاختلاف والتفرُّق والاقتتال؟! ولماذا العداوات؟! ولماذا الأحقاد والضغائن بين أهل الإيمان والتوحيد والسنة؟!

 

أيها المسلمون، ومن البشارات في سورة الحج قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، ولم يذكر سبحانه ما يدفعه عنهم، وهذا من أعظم ما يكون؛ حيث يشمل كل دفاع لما يتعرضون له.

 

وفي هذه السورة أذان بالحج، وإذن بالجهاد، فهناك ارتباط وثيق بين الحج والجهاد، وفي البخاري: “أفضل الجهاد حجٌّ مبرورٌ”.

 

الجهاد الذي به يدفع ظلم الكفار، ويردع به أعداء الدين وأعداء الحق، وبه تُصان الأعراض، وبه تحقن دماء المسلمين، وبه تُحمى الأموال، وبه تُحمى بيضة الإسلام، وها هم اليوم الكفار من يهود مجرمين ونصارى حاقدين ظالمين، وأمريكان معتدين مفسدين ومجرمين، ومن سائر أعداء الدين وأعداء الحق، يقتلون شعبًا بأكمله، وهذا الشعب الصابر المرابط المجاهد المظلوم، ما بين قتيل وجريح ومفقود ومشرد، مدن هدمت بكاملها على رؤوس ساكنيها، ومخيمات أحرقت على من فيها، فأين هؤلاء العرب والقادة والجيوش والمعدات والأسلحة؟ كل ذلك توارى تحت ذلهم وخنوعهم وذهاب حميتهم، وحسبهم الله جميعًا.

 

وقال سبحانه في سورة الحج: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]، فأقسم الله عز وجل على نصرة من نصر دينه، وفي هذا حثٌّ على نصرة هذا الدين، والذود عنه، والدفع عن حياضه.

 

أيها المسلمون، ومن تأمل أحوال المسلمين اليوم، وتسلط أعداء الدين من يهود ونصارى وملاحدة وسائر أعداء الدين من المنافقين والخونة وأهل الإجرام، يرى حقدًا دفينًا على الدين وحملته، ويرى تآمرًا عالميًّا على الإسلام وأهله.

 

وفي المقابل ترى الضعف والاستكانة والخنوع والذل والانبطاح والتآمر على الإسلام وأهله من قبل من ينتسب إليه.

 

وكل هذا بسبب الركون إلى الدنيا، والتبعية للغرب الفاجر الكافر، وضياع الغيرة والحمية الدينية الصحيحة على عقيدة الإسلام وعلى منهج الله كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم الغيرة والحمية على الأعراض والدماء والأطفال والنساء،﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227].

 

ألا وسلموا.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مكتبه السلطان – كتب صوتية مسموعة – جدد نفسك : كيف تصبح الشخص الذي طالما أردت أن تكون – ستيف تشاندلر