يحجزه عن قراءة القرآن شيء (2)
تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه أو قال: يحجزه (2)
استكمالاً للمقال السابق:
الشاهد الثاني: عن علي رضي الله عنه.
أخرجه أحمد (872)، وأبو يعلى (365)، والضياء (621) و (622)، عن عائذ بن حبيب، عن عامر بن السمط، عن أبي الغريف، قال: أتي علي بوضوء، فمضمض، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: «هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ، فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَا، وَلَا آيَةَ».
قلت: وآفة هذا الحديث هو أبو الغَريف عبيد الله بن خليفة.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 313): «سئل أبي عنه فقال: كان على شرطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وليس بالمشهور، قلت: هو أحب إليك أو الحارث الأعور؟ قال: الحارث أشهر، وهذا قد تكلموا فيه، وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة»اهـ.
ففضل أبو حاتم الحارث الأعور عليه، والحارث ضعيف، وقال: هو من نظراء أصبغ بن نباتة، وأصبغ بن نباتة متروك.
وقد روي هذا الحديث عن علي رضي الله عنه موقوفًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (1086) و (1091)، قال: حدثنا شريك، عن عامر بن السمط، عن أبي الغريف، عن علي، قال: «لا يقرأ ولا حرفًا»؛ يعني: الجنب.
وأخرجه عبد الرزاق (1306)، عن الثوري، عن عامر الشعبي، قال: سمعت أبا الغريف الهمداني يقول: شهدت علي بن أبي طالب بال، ثم قال: «اقرءوا القرآن ما لم يكن أحدكم جنبًا، فإذا كان جنبًا، فلا، ولا حرفًا واحدًا».
وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (620)، عن إسحاق، عن عامر بن السمط، قال: سمعت أبا الغريف الهمداني، يقول: شهدت عليًّا، بال، ثم قال: «اقرأ القرآن ما لم يكن أحدكم جنبًا، فإذا كان جنبًا، فلا، ولا حرفًا واحدًا».
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (425)، من طريق يزيد بن هارون, عن عامر بن السمط, عن أبي الغريف الهمداني, قال: كنا مع علي في الرحبة، فخرج إلى أقصى الرحبة, فوالله ما أدري أبولًا أحدث أو غائطًا, ثم جاء، فدعا بكوز من ماء, فغسل كفيه، ثم قبضهما إليه, ثم قرأ صدرًا من القرآن, ثم قال: «اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة, فإن أصابته جنابة، فلا، ولا حرفًا واحدًا».
قال الدارقطني: «هو صحيح عن علي».
وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (619)، قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا خلف، قال: أخبرنا خالد، عن عامر بن السمط، عن أبي الغريف، عن علي، قال: «لا بأس أن يقرأ القرآن وهو على غير وضوء، وأما إذا كان جنبًا فلا يقرأ القرآن، ولا حرفًا».
***
الشاهد الثالث: عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه.
أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 259)، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (1595)، والدارقطني في «سننه» (431) و (432)، والبيهقي في «الخلافيات» (312) و (313)، وابن عساكر في «تاريخه» (28/ 81)، من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، قال: قال عبد الله بن رواحة: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحد منا القرآن وهو جنب.
قلت: هذا الحديث فيه ثلاث علل:
العلة الأولى: الانقطاع بين عكرمة وعبد الله بن رواحة.
فعبد الله بن رواحة رضي الله عنه استشهد في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة.
قال عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (1/ 205) عقب الحديث: «ولا يُروى من وجه صحيح؛ لأنه منقطع وضعيف».
وقال ابن دقيق العيد في «الإمام» (3/ 73): «وعكرمة عن عبد الله بن رواحة، منقطع».
العلة الثانية: زمعة بن صالح.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 451): «يخالف في حديثه، تركه ابن مهدي أخيرًا».
وقال أبو زرعة في «الجرح والتعديل» (3/ 624): «لين واهي الحديث، حديثه عن الزهري كأنه يقول مناكير».
وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/ 390): «كان رجلًا صالحًا، يهم ولا يعلم، ويخطئ ولا يفهم، حتى غلب في حديثه المناكير التي يرويها عن المشاهير، كان عبد الرحمن يحدِّث عنه، ثم تركه»اهـ.
العلة الثالثة: سلمة بن وهرام، فهو متكلم فيه، لا سيما في أحاديث زمعة عنه.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/ 175): «أخبرنا عبدالله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ، قال: سألت أبي، عن سلمة بن وهرام، فقال: روى عنه زمعة أحاديث مناكير أخشى أن يكون حديثه حديثًا ضعيفًا.
عن يحيى بن معين أنه قال: سلمة بن وهرام، ثقة.
سئل أبو زرعة عن سلمة بن وهرام، فقال: يماني ثقة» اهـ.
قلت: وقد روي هذا الحديث موصولًا.
كما قد أخرجه الدارقطني في «سننه» (430) و (433)، والبيهقي في «الخلافيات» (314)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن زمعة بن صالح, عن سلمة بن وهرام, عن عكرمة, عن ابن عباس, عن عبد الله بن رواحة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب.
فزِيد ابن عباس في هذا الطريق، وبه يكون الحديث موصولًا.
وإسماعيل بن عياش ضعيف، وقد خالف في وصله.
قال الدارقطني: «إسناده صالح، وغيره لا يذكر عن ابن عباس».
وقال البيهقي في «الخلافيات» (2/ 38): «وروي عن إسماعيل بن عياش عن زمعة كذلك موصولًا، وليس بالقوي».
قلت: وقد وافقه عمر بن رزيق على الوصل.
فقد أخرجه الدارقطني (433)، من طريق عمر بن رزيق, عن زمعة بن صالح, عن سلمة بن وهرام, عن عكرمة, عن ابن عباس، به.
قلت: وعمر بن رزيق لم أجد من ذكره بجرح ولا تعديل.
***
الشاهد الرابع: عن مالك بن عبادة الغافقي رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/ 341)، والطحاوي في «معاني الآثار» (570)، والطبراني في «الكبير» (19/ 295) (656)، والدارقطني في «سننه» (427) و (428)، والبيهقي في «الكبير» (415)، من طريق عبد الله بن لهيعة، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة بن أبي الكنود، عن مالك بن عبادة الغافقي رضي الله عنه، قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب, فأخبرت عمر بن الخطاب, فجرني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله, إن هذا أخبرني أنك أكلت وأنت جنب، قال: «نَعَمْ, إِذَا تَوَضَّأْتُ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ, وَلَكِنِّي لَا أُصَلِّي, وَلَا أَقْرَأُ حَتَّى أَغْتَسِلَ».
وعند بعضهم: «عبد الله بن مالك الغافقي»، بدل: «مالك بن عبادة الغافقي». وعند بعضهم: «مالك بن عبد الله الغافقي».
وأخرجه البيهقي في «الخلافيات» (307)، من طريق الواقدي، عن عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة، عن ثعلبة بن أبي الكنود، عن عبد الله بن مالك الغافقي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا تَوَضَّأْتُ وَأَنَا جُنُبٌ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ، وَلَا أُصَلِّي وَلَا أَقْرَأُ حَتَّى أَغْتَسِلَ»، قال: سمعته يقول ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال البيهقي: «تابعه ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان».
• مالك بن عبادة الغافقي، له صحبة.
• وعبد الله بن لهيعة، ضعيف.
• والواقدي، متروك متهم.
• وعبد الله بن سليمان بن أبي سلمة الأسلمي، صدوق يخطئ، كما في «التقريب».
• وثعلبة بن أبي الكنود، مجهول، ترجمه أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 463)، ولم يذكر فيه شيئًا.
***
الشاهد الخامس: عن علي وأبي موسى رضي الله عنهما.
أخرجه الدارقطني في «سننه» (426)، من طريق أبي نعيم النخعي عبد الرحمن بن هانئ, عن أبي مالك النخعي عبد الملك بن حسين, عن أبي إسحاق السبيعي, عن الحارث, عن علي. قال أبو مالك: وأخبرني موسى الأنصاري, عن عاصم بن كليب, عن أبي بردة, عن أبي موسى، كلاهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَلِيُّ إِنِّي أَرْضَى لَكَ مَا أَرْضَى لِنَفْسِي, وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي, لَا تَقْرَإِ الْقُرْآنَ وَأَنْتَ جُنُبٌ, وَلَا أَنْتَ رَاكِعٌ, وَلَا أَنْتَ سَاجِدٌ, وَلَا تُصَلِّ وَأَنْتَ عَاقِصٌ شَعْرَكَ, وَلَا تُدَبِّحْ تَدْبِيحَ الْحِمَارِ».
• أبو نعيم النخعي عبد الرحمن بن هانئ.
قال ابن ابي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 298): «أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، فيما كتب إليَّ، قال: سمعت أبي يقول: أبو نعيم النخعي ليس بشيء.
عن يحيى بن معين، قال: بالكوفة كذابان: أبو نعيم النخعي، وأبو نعيم ضرار بن صرد.
سألت أبي عن أبي نعيم النخعي الصغير، فقال: لا بأس به، يكتب حديثه»اهـ.
وقال ابن عدي في «الكامل» (7/ 217): «عامة ما له لا يتابعه الثقات عليه».
• أبو مالك النخعي عبد الملك بن الحسين.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 411): «ليس بالقوي عندهم».
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 347): «عن العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو مالك النخعي ليس بشيء.
سألت أبي عن أبي مالك النخعي، فقال: ضعيف الحديث.
سألت أبا زرعة عن أبي مالك النخعي، فقال: ضعيف الحديث» اهـ.
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/ 117): «كان ممن يروي المقلوبات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، ولا الاعتبار فيما لم يخالف الأثبات» اهـ.
• والحارث الأعور.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 273): «قال أبو أسامة: حدثنا مفضل، عن مغيرة، سمعت الشعبي، حدثنا الحارث، وأشهد أنه أحد الكذابين».
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 79): «أخبرنا ابن أبي خيثمة، فيما كتب إليَّ، قال: سمعت أبي يقول: الحارث الأعور كذاب.
سألت أبي عن الحارث الأعور، فقال: ضعيف الحديث، ليس بالقوي، ولا ممن يحتج بحديثه» اهـ.
***
الشاهد السادس: عن جابر رضي الله عنه.
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (4/ 22)، من طريق محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن طاوس، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْرَإِ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ».
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (1879)، من طريق محمد بن الفضل, عن أبيه, عن طاوس, عن جابر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقْرَإِ الْحَائِضُ وَلَا النُّفَسَاءُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا».
ولم يذكر الجنب.
• محمد بن الفضل بن عطية بن عمر، أطبق الأئمة على أنه كذاب.
قال ابن حجر في «التقريب»: «كذبوه».
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 57): «عن يحيى بن الضريس، قال لعمرو بن عيسى، وحدث عن محمد بن الفضل: ألم أنهك عن هذا الكذاب.
عن إسحاق بن سليمان، وسئل عن حديث من حديث محمد بن الفضل الخراساني، فقال: تسألوني عن حديث الكذابين؟!
عن أحمد بن حنبل: ليس بشيء.
قرئ على العباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين أنه قال: محمد بن الفضل بن عطية ليس بشيء.
سئل يحيى بن معين عن الفضل بن عطية، فقال: هو والد محمد بن الفضل الكذاب.
عن عمرو بن علي، قال: محمد بن الفضل متروك الحديث، كذاب.
سألت أبي عن محمد بن الفضل بن عطية، فقال: ذاهب الحديث، تُرك حديثه.
سمعت أبا زرعة، وقيل له: ما قصة محمد بن الفضل؟ فقال: ضعيف»اهـ.
وقال الجوزجاني في «أحوال الرجال» (372): «محمد بن الفضل بن عطية، كان كذابًا، سألت ابن حنبل عنه، فقال: ذاك عجب، يجيئك بالطامات» اهـ.
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (542): «متروك الحديث».
• وأبوه الفضل بن عطية بن عمرو بن خالد، صدوق ربما وهم.
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (434)، ومن طريقه البيهقي في «الخلافيات» (319)، من طريق سليمان أبي خالد, عن يحيى, عن ابن الزبير, عن جابر, قال: «لا يقرأ الحائض ولا الجنب ولا النفساء القرآن».
موقوفًا.
قال الدارقطني: «يحيى هو ابن أبي أنيسة، ضعيف».
• سليمان أبو خالد؛ هو: سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر.
روى العقيلي في «الضعفاء» (2/ 496)، عن معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين، قال: «أبو خالد الأحمر ثقة وليس بثبت».
وروى ابن عدي في «الكامل» (5/ 267)، عن عباس الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: «أبو خالد الأحمر صدوق، وليس بحجة».
وقال ابن عدي في «الكامل» (5/ 271): «وأبو خالد الأحمر له أحاديث صالحة، وإنما أُتي هذا من سوء حفظه، فيغلط ويُخطئ، وهو في الأصل كما قال ابن معين: صدوق، وليس بحجة» اهـ.
وقال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق يخطئ».
• ويحيى بن أبي أنيسة.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 262): «ليس بذاك».
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 130): «عن عبيد الله بن عمرو، قال: قال لي زيد بن أبي أنيسة: لا تحدث عن أخي يحيى بن أبي أنيسة، فإنه كذاب.
قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: يحيى بن أبي أنيسة؟ قال: ليس ممن يُكتب حديثه.
أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة، فيما كتب إليَّ، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: يحيى بن أبي أنيسة ضعيف، ليس حديثه بشيء.
عن عمرو بن علي، قال: كان يحيى بن أبي أنيسة ضعيفًا في الحديث، واجتمع أصحاب الحديث على ترك حديثه، إلا من لا يعلم.
سألت أبي وأبا زرعة عن يحيى بن أبي أنيسة، فقالا: ليس بالقوي» اهـ.
وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (639): «يحيى بن أبي أنيسة، متروك الحديث».
قلت: فتبيَّن عدم ثبوت شيء في هذا الباب.
قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» له (1/ 429): «وفي نهي الحائض والجنب عن القراءة أحاديث مرفوعة، إلا أن أسانيدها غير قوية، كذا قال الإمام أحمد في قراءة الحائض، وكأنه يشير إلى أن الرواية في الجنب أقوى، وهو كذلك» اهـ.
قلت: هي أقوى، ولكنها ضعيفة أيضًا.