فائدة في البحث عن روايات ابن أخي ابن وهب عن عمه في صحيح مسلم
فائدة في البحث عن روايات ابن أخي ابن وهب عن عمِّه في صحيح مسلم
المقدمة:
الحمد لله الذي خصَّ هذه الأمة المباركة بنِعَمٍ عظيمة، ومن أبرزها نعمة حفظ الدين؛ قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
وقد منَحَ الله لهذه الأمة أسبابًا متعددة لحفظ دينها، وأهمها علم الإسناد، الذي تفردت به الأمة الإسلامية دون سواها، فجُعِلَ منه وسيلة لحفظ السنة النبوية الشريفة، متصلًا بسلسلة من الرواة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأهمية هذا العلم المبارك أفنى أئمة من جهابذة نُقَّاد المسلمين أعمارَهم وأموالهم في خدمة السُّنَّة النبوية، وكان – ولله الحمد – أنِ استمرت الجهود الحديثية في الأزمنة المختلفة، وحرَص المسلمون على الاستفادة من كافة التقنيات في مختلِف العصور في خدمة السنة النبوية، فعندما ظهرت الحواسيب، وأمكن إنشاء قواعد بيانات للرواة والأحاديث، وسلاسل الإسناد، قيَّض الله عز وجل رجالًا قاموا بهذا الواجب الذي قد يكون فرضَ كفاية على الأُمَّة، لحفظ السنة النبوية، وتيسير دراستها، فجزاهم الله خيرًا.
إلا أن استخدام التقنيات الحديثة في دراسة السنة النبوية يواجه تحدياتٍ؛ من أهمها:
الأول: اعتماد بعض طلبة العلم على التقنية بالكلية، دون الرجوع إلى المصادر الأساسية، واستخدام الطرق التقليدية التي اعتمدها أئمتنا، مما يؤدي إلى قصورٍ في البحث.
الثاني: اختلاف المناهج المستخدمة في تمثيل السُّنَّة داخل البرامج الحديثة، ما قد يسبب نتائجَ غيرَ دقيقة، إذا لم يُفهَم منهج البرنامج بوضوح.
على سبيل المثال: في مدارسة حديثية مع الشيخ د. خالد الحايك حفظه الله، كان الهدف جمعَ روايات أحمد بن عبدالرحمن بن وهب، عن عمه عبدالله بن وهب في صحيح مسلم، وعند استخدام برنامج “المكتبة الشاملة” واجهنا بعض التحديات؛ مثل: اختلاف النتائج بناءً على طرق البحث المختلفة في نفس البرنامج، مما يوضح أهمية معرفة كيفية عمل البرامج، وفَهم طبيعتها لتحقيق نتائج دقيقة.
الأمر يبدو في ظاهره يسير، لكن عند البحث تظهر العوائق والتحديات، ونتحدث إن شاء الله عن بعض المحاولات للوصول إلى النتيجة المرجوة.
المحاولة الأولى: استخدام التخريج الآلي في المكتبة الشاملة – الإصدار الرابع:
الفكرة ببساطة أن نفتح أي حديث في إسناده “أحمد بن عبدالرحمن” في “صحيح مسلم – ط التركية”؛ لأنها الطبعة المستخدمة في التخريج الآلي، ثم بالضغط على اسم الراوي “أحمد بن عبدالرحمن” تظهر لنا شاشة جديدة، هي شاشة الرواة؛ فيها: ملخص ترجمة الراوي، وأقوال الجرح والتعديل، روى عن كذا، روى عنه كذا، والمرويات.
فإذا فتحنا الحديث “صحيح مسلم” (813) مثلًا، وقمنا بالضغط على “أحمد بن عبدالرحمن بن وهب”، نجد أن له في “صحيح مسلم” أربعَ مرويَّات، هي الأحاديث رقم: (813، 1709، 1924، 2392).
ولكن قبل أن نستعجل النتيجة، لعلنا نجرب محاولة ثانية.
المحاولة الثانية: محاولة الوصول إلى “أحمد بن عبدالرحمن” من خلال عمه “عبدالله بن وهب”:
أي: أن نقوم بفتح أي حديث في إسناده “عبدالله بن وهب” ثم نبحث فيمن روى عنه، عن أحمد بن عبدالرحمن، نجد أربعة الأحاديث السابقة نفسها، ولننتظر قليلًا.
المحاولة الثالثة: البحث عن “أحمد بن عبدالرحمن” داخل “صحيح مسلم” في المكتبة الشاملة – الإصدار الرابع:
باستخدام خدمة البحث داخل الكتاب، لو قمنا بالبحث عن “أحمد بن عبدالرحمن” يظهر لنا ستُّ نتائج؛ هي الأحاديث رقم: (571، 813، 1829، 1709، 1924، 2392)، لا أدري صراحة سبب هذا، ولكن يظهر لي – والله أعلم – أن ربط الأحاديث في التخريج الآلي لم يتم بشكل كامل، والخدمة ما زالت قيد التطوير.
المحاولة الرابعة: الجرد الصحيح للوصول إلى هذه المرويات:
وهذا هو الأصل، وهذا ما ميَّز الله عز وجل به الأئمة، أنهم كانوا يحفظون ألوف الأسانيد، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع، عند الجرد نقف بفضل الله وحده على تسعة أحاديث؛ هي: (571، 792، 813، 1064، 1829، 1709، 1924، 1977، 2392).
لماذا لم تظهر النتائج كاملة عند البحث داخل الكتاب؟
حاولت أن أفهم لماذا لم تظهر هذه الأحاديث التسعة عند البحث عن “عبدالرحمن بن وهب” داخل “صحيح مسلم”؟ فكان السبب في كلمة البحث المستخدمة، فإن تغيير وتنويع كلمات البحث أمر معروف ومطلوب عند البحث، بل هو من أهم المهارات المطلوبة في البحث.
نجد في الأحاديث رقم: (571، 813، 1829، 1924، 2392) يظهر أحمد هكذا: “أحمد بن عبدالرحمن بن وهب”.
وفي الحديث رقم (1709) يظهر أحمد هكذا: “أحمد بن عبدالرحمن بن وهب بن مسلم”، ويظهر لي أن هناك مشكلة في الترقيم، وفي الوصول إلى هذا الحديث في نسخة الشاملة – الإصدار الرابع، عمومًا هو في (ج 6/ ص 16) رقم (42 – 1709)، فإن (ج 6/ ص 16) فيه الترقيم (40 – 1840)، ثم التالي (ج 6/ ص 16) فيه الترقيم (41 – 1709).
وفي الحديث (1977) يظهر أحمد هكذا: “وأحمد بن عبدالرحمن بن أخي وهب”، وهو في (ج 6/ ص 84).
وفي الحديث (1064) يظهر أحمد هكذا: “أحمد بن عبدالرحمن الفهري”.
وفي الحديث رقم (792) يظهر أحمد هكذا: “ابن أخي وهب”.
المحاولة الخامسة: العود إلى خاصية البحث داخل “صحيح مسلم”:
لو عدنا للبحث داخل “صحيح مسلم”، واخترنا مجموعة البحث “أو”، وأدخلنا القيمتين في حقلين مختلفين:
الأول: “أحمد بن عبدالرحمن”.
الثاني: “وأحمد بن عبدالرحمن”.
يظهر معنا الآن ثماني نتائج؛ هي: (571، 813، 1064، 1829، 1709، 1924، 1977، 2392).
وذلك لأن البرنامج يفرِّق بين كلمتي “أحمد” “وأحمد”، وهما برمجيًّا ليسا سواء، لكن في عرف الاستخدام واصطلاحه، ليس الأمر هكذا، وهذا أمر يحتاج إلى مراجعة وتأمل.
أما بالنسبة إلى “ابن أخي وهب”، هذا صراحة أصعبهم عند البحث عنه، أولًا: قد لا يخطر في البال بسهولة أن يكتب الباحث في حقول البحث الاسمَ هكذا للوصول إليه، فيكون هذا سببًا في فوت المرويات، والله المستعان.
وثانيًا: قد نتصور أننا إذا أضفنا “ابن أخي وهب” في حقل ثالث في مجموعة “أو”، تظهر النتيجة التاسعة، ولكن نجد أن البرنامج يقوم بحذف الألف في أول كلمة “ابن”، ويجعل الحقل هكذا “بن أخي وهب”، ولن تظهر النتيجة التاسعة؛ لأن “ابن أخي وهب” لا تساوي “بن أخي وهب”، ولو وضعت مسافة قبلها يحذف المسافة والألف، وفعلها أيضًا مع “وحدثني ابن أخي وهب”، فجعلها “وحدثني بن أخي وهب”، ولا تظهر النتيجة.
المحاولة السادسة: استخدام قواعد البيانات المتوفِّرة على الإنترنت:
هناك قاعدة بيانات مشهورة، قام بجمعها أربعة باحثين أكاديميين، وأتاحوها في صورة بعض الملفات، منها مِلفات إكسل، هذه الملفات – وهي ثلاثة في صيغة الإكسل – يمكن استخدامها للوصول إلى روايات أحمد بن عبدالرحمن، عن عمه ابن وهب، البحث متاح على الرابط، والملفات متاحة على الرابط، وعند البحث وجدتُ النتائج ثلاثَ عشرةَ نتيجة؛ هي كالآتي:
م
|
رقم الحديث عندهم
|
رقم الحديث في “صحيح مسلم – ط التركية”
|
1
|
1301
|
571
|
2
|
1884
اعتبروه إسنادين، ويأتي تفصيله إن شاء الله.
|
792
|
3
|
1926
|
813
|
4
|
2505
اعتبروه إسنادين، ويأتي تفصيله إن شاء الله.
|
1064
|
5
|
4833
اعتبروه إسنادين، ويأتي تفصيله إن شاء الله.
|
1829
|
6
|
4877
|
1709
|
7
|
5066
اعتبروه إسنادين، ويأتي تفصيله إن شاء الله.
|
1924
|
8
|
5238
|
1977
|
9
|
6346
|
2392
|
عند مراجعة النتائج تبيَّن أمران:
الأول: أن الباحثين لم يعتمدوا ترقيم “صحيح مسلم – ط التركية” وهذا ليس بإشكال، الإشكال أنهم لم يذكروا الترقيم الذي استخدموه، وهذا جعل الأمر صعبًا في الوصول إلى الحديث، ولكنهم على كل حال أضافوا ملفًّا بنصِّ الأحاديث بالترقيم المعتمَد لديهم، وهذا سهَّل الوصول في النهاية بفضل الله.
الثاني: أنهم اعتمدوا طريقة “الإسناد المتعدد” عند حساب عدد الأسانيد، فنجد أنهم:
في الحديث رقم (1884) عندهم الذي هو (792) في “صحيح مسلم – ط التركية” وهو: (وحدثني ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبدالله بن وهب، أخبرني عمر بن مالك، وحيوة بن شريح، عن ابن الهاد بهذا الإسناد مثله سواء، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: سمِع).
اعتبروا ابن أخي وهب، عن عمه، عن عمر بن مالك، عن ابن الهاد إسنادًا أوَّلَ.
واعتبروا ابن أخي وهب، عن عمه، عن حيوة بن شريح، عن ابن الهاد إسنادًا ثانيًا.
وهذا أمر لا بأس به، بل قد يكون مطلوبًا أحيانًا، المهم أنه على الباحث أن يراعي طريقة البرنامج أو قاعدة البيانات ليستفيد منها بطريقة صحيحة.
نجد أنهم أيضًا في الحديث رقم (2505) عندهم، الذي هو (1064) في “صحيح مسلم – ط التركية”؛ وهو: (حدثني أبو الطاهر، أخبرنا عبدالله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي سعيد الخدري، (ح) وحدثني حرملة بن يحيى، وأحمد بن عبدالرحمن الفهري قالا: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن، والضحاك الهمداني، أن أبا سعيد الخدري)؛ الحديث.
اعتبروا: أحمد الفهري، عن عمه، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد إسنادًا أولَ.
واعتبروا: أحمد الفهري، عن عمه، عن يونس، عن ابن شهاب، عن الضحاك الهمداني، عن أبي سعيد إسنادًا ثانيًا.
نجد أيضًا أنهم في الحديث (4833) عندهم، الذي هو (1829) في “صحيح مسلم – ط التركية” وهو: (وحدثني أحمد بن عبدالرحمن بن وهب، أخبرني عمي عبدالله بن وهب، أخبرني رجل سماه، وعمرو بن الحارث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، حدثه عن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى).
اعتبروا أحمد بن عبدالرحمن، عن عمه، عن رجل، عن بكير، عن بسر، عن ابن عمر إسنادًا أولَ.
واعتبروا أحمد بن عبدالرحمن، عن عمه، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، عن بسر، عن ابن عمر إسنادًا ثانيًا.
نجد أيضًا أنهم في الحديث رقم (5066) عندهم، الذي هو (1924) في “صحيح مسلم – ط التركية” وهو: (حدثني أحمد بن عبدالرحمن بن وهب، حدثنا عمي عبدالله بن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، حدثني عبدالرحمن بن شماسة المهري، قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبدالله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شِرارِ الخَلْقِ، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا ردَّه عليهم، فبينما هم على ذلك، أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة: يا عقبةُ، اسمع ما يقول عبدالله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول…)؛ الحديث.
اعتبروا أحمد بن وهب، عن عمه، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالرحمن بن شماسة المهري، عن عبدالله بن عمرو إسنادًا أولَ.
واعتبروا أحمد بن وهب، عن عمه، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالرحمن بن شماسة المهري، عن مسلمة، عن عقبة إسنادًا ثانيًا.
وهنا نجد أن تسعة الأحاديث في السَّبْرِ، تحوي ثلاثةَ عشر إسنادًا كما في قاعدة البيانات هذه، ولكن هل لو قال الباحث: وقفت على ثلاثة عشر حديثًا لأحمد الوهبي عن عمه، يكون الجواب دقيقًا؟ الأمر اصطلاحي ولا مُشاحَّة في الاصطلاح، ولكن يجب أن يعرف الباحث المنهجَ الْمُتَّبع، ويوضح مقصوده.
الخلاصة:
في الختام، لا شكَّ أن علم الحديث علم عظيم يحتاج إلى جهد ودقة، ولا يمكن الاعتماد فقط على التقنيات الحديثة دون دراسة عميقة للمصادر الأصلية، ولكن مع استخدام التقنيات بشكل صحيح ومدروس، يمكن تيسير دراسة السنة النبوية، والوصول إلى نتائج دقيقة وموثوقة، لم يكن الهدف في هذا البحث قطُّ الانتقاص من برنامج بعينه، بل على العكس، جزى الله خيرًا القائمين على برامج خدمة السنة النبوية خصوصًا، والعلوم الشرعية عمومًا.
نسأل الله أن يوفقنا في طلب العلم النافع وخدمة دينه الحنيف.