إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها
حديث: إذا دُعِي أحدكم إلى وليمة فليأتها
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعِي أحدكم إلى وليمة فليأتها؛ متفق عليه، ولمسلم: إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عُرسًا كان أو نحوه..
المفردات:
إذا دُعِي أحدكم إلى وليمة؛ أي: إذا طلب المتزوج أو نائبه من أحدكم الحضور لتناول الطعام في وليمة العرس.
فليأتها؛ أي: فليجئ إليها ولا يتخلَّف عنها.
ولمسلم: أي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا دعا أحدكم أخاه فليجب؛ أي: إذا طلب أحد المسلمين من أخيه المسلم أن يحضر دعوة لديه فليحضر ولا يتخلَّف، والدعوة بفتح الدال ما كانت في الطعام بكسر الدال ما كانت في النسب؛ قال النووي: وعكسه تيم الرباب، فقالوا: الطعام بالكسر والنسب بالفتح، قال: وأما قول قطرب في المثلث: إن دعوة الطعام بالضم، فغلَّطوه فيه؛ اهـ، وقال الحافظ في الفتح: وأما الدعوة فهي أعمُّ من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور، وضمها قطرب في مثلثه وغلَّطوه في ذلك على ما قال النووي، قال: ودعوة النسب بكسر الدال، وعكس ذلك بنو تيم الرباب، ففتحوا دال دعوة النسب، وكسروا دال دعوة الطعام؛ اهـ، وما نسبه إلى بني تيم الرباب نسبه صاحبا الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب، فالله أعلم؛ اهـ، من الفتح.
عُرسًا كان أو نحوه؛ أي: سواء كانت الدعوة لطعام العرس، أو ما أشبهه كطعام العقيقة ونحوها، والعُرس بسكون الراء وضمها الزواج، والعروس اسم للزوجين عند أول اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة، فيقال للمرأة حينئذ العروس، كما يقال للرجل حينئذ العروس، ومنه حديث أنس عند البخاري ومسلم: أصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب، وبعض الناس يخص العروس بالمرأة، أما الرجل فيقال عند زواجه العريس.
البحث:
حضَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إجابة دعوة الداعي، سواء كانت دعوة عرس أو غير عرس؛ لما في ذلك من تأليف القلوب، وتقوية الروابط وسلِّ الضغائن، وهذا من أهم مقاصد الإسلام لتكوين المجتمع المترابط المتعاطف المتحابِّ، وقد جعل الإسلام من هذه المناسبات الطيبة سببًا من أسباب إزالة ما قد يكون بين الشخص وغيره من التباغض؛ فقد روى البخاري من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كُراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ ذراعٌ لقبِلت؛ كما روى مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعيتُم إلى كُراع فأجيبوا، كما روى البخاري من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكُّوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض، كما روى البخاري من حديث البراء عن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، ونهانا عن خواتيم الذهب وعن آنية الفضة، وعن المياثر والقسية، والإستبرق والديباج، وأورده في كتاب الأدب في باب إفشاء السلام بلفظ: ونهى عن الشرب في الفضة ونهانا عن تختُّم الذهب، وعن ركوب المياثر، وعن لُبس الحرير والدياج والقسي والإستبرق، كما روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها، وفي لفظ لمسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ائتوا الدعوة إذا دعيتُم، وسواء كانت هذه الدعوة دعوة عرس أو غيره، قال البخاري: باب إجابة الداعي في العُرس وغيرها، ثم ساق من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها، قال: كان عبدالله يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو صائم، وقد رواه مسلم باللفظ الذي ذكره المصنف، ثم ساق من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعُي إلى عرس أو نحوه فليُجب، غير أن الشريعة الإسلامية أكدت إجابة دعوة العرس تأكيدًا شديدًا، فخصَّته بمزيد من التوكيد، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليُجب، وفي لفظ لمسلم من طريق خالد بن الحارث عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب، قال خالد: فإذا عبيدالله ينزله على العرس؛ اهـ، فيتحتم على من دُعي إلى وليمة العرس أن يحضُرها حتى ولو كان صائمًا، ما لم يعلم أن حرمات الله تُنتهك على وليمة هذا العرس، فإنه لا يجيب، وسيأتي مزيد بحث لهذا في الحديث الثالث والرابع من أحاديث هذا الباب إن شاء الله تعالى، وقد قال النووي: ونقل القاضي اتفاق العلماء على وجوب الإجابة في وليمة العرس؛ اهـ.
ما يفيده الحديث
1- وجوب إجابة الداعي لوليمة العرس.
2- لا ينبغي التخلف عن دعوة الداعي في العقيقة ونحوها.
3- حرص الإسلام على تأليف القلوب.
4- اغتنام الفُرص لإزالة أسباب الجفاء ونحوها بين المسلمين.