لا تيأس!
لا تيأس
إن المتأمِّل في تعاليم ديننا السامية، وتوجيهاته الحكيمة، يجد من راحة البال، وطمأنينة النفس، ما يتعجَّب له الباحثُ وراء راحة قلبه، وهدوء نفسه.
فنحن في حياتنا نجاهد في السَّير والثبات على الطريق الذي شرعه الله لنا.
لكننا نتفاجأ بعقبات تواجهنا، ونُبتلى بعَثَرات تُعيقنا، ثم نحاول، ونجاهد مع أنفسنا مراتٍ، ونُخْفِقُ مراتٍ، نحاول أن ننهض، أن نقاوم، لكن إذا بنا نتعثر من جديد.
حينها قد يتسرَّب إلى قلوب البعض منا اليأس والحزن على حاله، وتفريطه المتكرر؛ وهذا قد يُوصله إلى ترك العمل الذي كان يُثابر عليه، ويبذل جهده فيه، فيقول لنفسه: كم مرَّة خطَّطت، وسجَّلت، ودوَّنت في دفتر ملاحظاتي! كم مرة سعيتُ واجتهدت لأثبُت على وِرْدٍ من القرآن، أو من قيام، أو من طلب علمٍ، ثم أجدني وقد توقفت عن هذا كله!
كم مرة تحمَّست ثم عُدْتُ إلى نقطة البداية، حتى تراكمت المهامُّ، وتأخَّر الإنجاز!
فتضيق عليه الدنيا بما رحُبت، ويحزن القلب، ويحبِكُ اليأس حبائله على النفس، فيَسْرِي فيها إحساس العجز والفشل.
أقول لهذا القلب، وأَخُطُّ بمداد الحرص كلماتٍ لطالما شعرت به، ولامستها معاناته: هوِّن عليك؛ فالأمر ليس كما نظن؛ فربُّنا سبحانه وتعالى قد بيَّن لنا ما يهوِّن علينا عناء الطريق، وحسرة الفشل، وألم اليأس؛ فقال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، فمجاهدة النفس على طاعة الله، والقيام بما يحبه سبحانه، وعد عز وجل أنه سيهدي هذا المجاهد المحاول سُبُلَ الهداية، ويُعينه في الطريق.
إذًا عَلَامَ حزنك، ويأسك من نفسك؟
فجهدك وتعثُّر أقدامك، ودموع حسراتك عند الله محفوظة، وجهادك على الطاعة عند ربك مسطور، فهو سبحانه لا يضيع أجر العاملين الساعين في مرضاته، وَعَدَهم، وبشَّرهم بأنه سيهديهم وسيَصِلُون، ما داموا يجاهدون.
هذا ابن المنكدر رحمه الله من أئمة العابدين، يخبرنا عن جهاده مع نفسه، وكيف صبر حتى نال مراده: “كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي”، أربعون سنة ولم ييأس من نفسه ومحاولاته، ولم يرفع راية الاستسلام، بل كابد وصبر رحمه الله.
ونحن أيضًا فلنتفاءل ولا نيأس؛ فربُّ الخير سبحانه سيأتينا بالخير، ويفتح على قلوبنا، إنه سبحانه يقبل منا مجرد النية، ويأجُرنا عليها، ويُثيبنا بعد الجهد والتعب جنةً ونعيمًا مقيمًا.
لنحاول ونجاهد ما دام فينا النفس، ولا يُيْئِسنا الشيطان من أنفسنا، ولْنُغْلِق هذا الباب في وجهه بلا رجعة بإذن الله تعالى.
تنفَّسِ الصُّعَداء، وافْرَحْ فالليل يخلُفه النهار، وإن فات النهار فلابد لليل أن يعقُبه، جَعَلَ سبحانه الليل والنهار خِلْفَةً، لماذا يا تُرى؟ أليس لترتاح أرواحنا من إحساس التقصير، وشعور التخبُّط والضياع؟ لنطمئنَّ، ونخرج من دائرة الضغط والتِّيه، إلى رحابة الطمأنينة؛ فرحمة الله سبحانه واسعة، وفضله على المرابطين في الطريق عظيم.
لنقطع الصفحات الماضية ولنبدأ من جديد، يكفينا من اللوم والعَتَبِ ما يُوقِظ النفس، ويستنهض الهِمَّة.
فلْنَطِبْ نفسًا، ونهدأ بالًا، ونجدِّد النية، ونخطط لأيامنا؛ فرُبَّ نيةٍ سبقت عملًا.
لنستَعِنْ بالله تعالى؛ فنحن لا حول لنا ولا قوة إلا به، ولنُعِدِ الكَرَّة، ونسعَ من جديد، ولا نستسلم.
يقول الإمام الشافعي: “إذا كنت في الطريق إلى الله فاركض، وإن صعب عليك فَهَرْوِلْ، وإن تعبت فامشِ، فإن لم تستطع فسِرْ حبوًا وإياك والرجوع”.
أخبروا أنفسكم أن من ثبت نبَتَ، وأن الحياة صبر ومجاهدة، وغدًا بإذن الله سنجني أطيب الثمر.
ولنجعله شعارًا على بوابة عقولنا، ومنافذ أرواحنا: “طوبى لمن صبر، ورابط على باب الله، وجاهد نفسه ليصل لمرضاته”.
رعى الله قلوبكم المثابِرة، وشكر بكرمه جهادكم، ورباطكم على مجاهدة النفس وأهوائها.