خطبة الشائعات والكبار


خطبة الشائعات والكبار

 

الخطبة الأولى

إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وصفيه وخليله، عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار عَلَىٰ نهجهم، واقتفى أثرهم، وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَىٰ يوم الدين، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا النَّاس! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادنا عَلَىٰ النَّار لا تقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون! قَالَ الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، فمن مرَّت عليه مواعظ القرآن وزواجر السُّنَّة، ثُمَّ لم تغيِّر قلبه ولا حاله؛ فلينظر إِلَىٰ قلبه، فلعله أن يكون ميتًا، ولعله أن يكون مريضًا مرضًا شديدًا -أعاذنا الله وَإِيَّاكُمْ من موت القلوب، وجعلنا وَإِيَّاكُمْ من عباده وأوليائه الصَّالِحِيْنَ-.

 

واسمعوا يا رعاكم الله! إِلَىٰ هٰذَا الحديث من زواجر حديث النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ارجعوا بالسؤال والملامة والمحاسبة عَلَىٰ أنفسكم، فأنتم الآن في ساعة إمهال، في حسابٍ ومتابعة وتوبة، وغدًا حساب وعذاب، فالناجي من نجَّاه الله، والهالك من أهلكه الله؛ جاء في الصحيح [1] من حديث سمرة بن جندب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صلى بنا النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يومٍ صلاة الغداة، فلمَّا انصرف إلينا حمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: «من رأى منكم اليوم رؤيا؟» فلم يجبه أحد، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنه أتاني الليلة آتيان من ربي، فقالا لي: انطلق، فانطلقت معهما، فأتينا عَلَى رجلٍ وعنده كومة من حصا، وآخر يسبح في بحرٍ أو نهرٍ من دم، وكلما أقبل هٰذَا السابح؛ أقبله من عَلَى شطه بحجر، فيلتقمه بفيه، ثُمَّ يذهب يسبح، فيعود فيعطيه مثلها، قلت: سُبْحَانَ اللَّهِ! ما هذان؟ فقالا: هٰذَا آكل الرِّبَا ومؤكله».

 

نعم يا عباد الله! أكل الرِّبَا حربٌ عَلَىٰ الله، وحربٌ عَلَىٰ رسوله، وإن لم ينتهِ هؤلاء من ظلمهم ويكتفوا برؤوس أموالهم؛ فهم مأذونون بحرب الله ورسوله.

 

«فقالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا عَلَى رجلٍ معه بيده كلُّوب، وآخر تحته، فيشرشر فاه إِلَى قفاه، ومنخره إِلَى قفاه، وعينه إِلَى قفاه، قلت: سُبْحَانَ اللَّهِ! ما هذان؟ فقالا: هٰذَا الرجل يخرج من بيته، فيلقي بالكذبة، فتطير في الآفاق، فلا يزال يُعذَّب بها إِلَى أن تقوم الساعة».

 

ودواعي الكذب ونشرها في المجالس والدواوين وفي التواصل الاجتماعي المتنوع، دواعٍ توافرت في زماننا، وتزداد كثرةً في مستقبل أيامنا، ألا فليحفظ الإنسان لسانه، وليحفظ بنانه، مِمَّا يقول أو يكتب؛ لعله ألَّا يؤاخذ بذلك عند ربه يوم القيامة.

 

وأعظم الشائعات وأخطرها يا عباد الله: ما نال من دينكم وعقيدتكم، وكذلك ما نال من اجتماع كلمتكم ووحدة صفكم خلف ولاة أموركم، وهي من أسهل وسائل أعدائكم؛ لنشر الرعب والفوضى، وإشاعة قالة السوء، ومسالب العلماء والولاة بينكم، فاحذروها أيما حذر؛ لعلكم أن تنجوا من غوائلها في الدنيا، ومن غوائلها في برزخكم ويوم قدومكم عَلَىٰ ربكم.

 

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَىٰ إحسانه، والشكر له عَلَىٰ توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيّدنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَىٰ رضوانه، صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَىٰ نهجهم، واقتفى أثرهم، وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَىٰ يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله! فاتقوا الله جَلَّ وَعَلَا بتعظيم فرائضه وأوامره، بالمبادرة إليها، والمسارعة إِلَىٰ أدائها، واتقوه جَلَّ وَعَلَا بتعظيم نواهيه ومساخطه، بالاجتناب عنها والمباعدة منها في أنفسكم وفي أهليكم وأولادكم، وفي موعظتكم لإخوانكم المؤمنين.

 

فَقَالَ القائلان للنَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انطلق، فانطلقنا فأتينا عَلَى رجلٍ وبجواره حجارة عظيمة، لا يستطيع أن يقل الواحد منها إِلَّا بصعوبة، وآخر نائمٌ تحته فيرفع الحصاة، ثُمَّ يلقيها عَلَى رأسه فيثغله فيتناثر رأسه، فلا يكاد يرفع الثانية إِلَّا وعاد رأسه كما كان، فيعطيه مثلها، قلت: سُبْحَانَ اللَّهِ! ما هذان؟ قالا: هٰذَا الرجل يأخذ من القرآن، ثُمَّ ينام عن الصَّلَاة المكتوبة» ينام عن صلاة الفجر، وصلاة العشاء والظهر والعصر، وقد علم حكمها وفرضها، فيُلثغ في هٰذَا اللثغ بالحجر حَتَّىٰ يتناثر رأسه عياذًا بالله!

 

«فقالا لي: انطلق، فانطلقنا فأتينا عَلَى تنور أعلاه ضيِّق، وأسفله واسع، وإذا فيه اصطراخ، فقالا لي: اطلع فيه، فاطلعت؛ فإذا رجالٌ ونساءٌ عُراة، وَالنَّار تلفحهم من أسفل منهم، كلما لفحهم لهبها اصطرخوا فيها اصطراخًا عظيمًا، قلت: سُبْحَانَ اللَّهِ! ما هؤلاء؟ قالا: هؤلاء الزواني والزناة»[2]، لا يزالوا يُعذبون في البرزخ لمَّا نزعوا عن أنفسهم في الدنيا لباس الحياء والستر إِلَىٰ ما حرمه الله؛ كان الجزاء من جنس العمل، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ!

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن العشرة وأصحاب الشجرة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التَّابِعِيْنَ لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ أبرم لهٰذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللَّهُمَّ انصر دينك وكتابك وسنة نبيك عَلَىٰ العالمين، اللَّهُمَّ انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك وأولياءك المؤمنين، اللَّهُمَّ من ضارّ المسلمين فضره، ومن كاد لهم فكد له، ومن مكر بهم فامكر له، اللَّهُمَّ اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين، اللَّهُمَّ من أراد بنا أو بعلمائنا أو بولاتنا أو بنسائنا وشبابنا، أراد بهم سوءًا أو فتنةً أو مكيدة، اللَّهُمَّ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الْدُّعَاء، يا ذا الجلال والإكرام، يا قوي يا عزيز.

 

اللَّهُمَّ انصر جنودنا المرابطين، وجنودنا المقاتلين في سبيلك، اللَّهُمَّ سدّد رأيهم ورميهم، واجمع عَلَىٰ الكتاب وَالسُّنَّة كلمتهم، اللَّهُمَّ أكبت بهم عدونا، اللَّهُمَّ اشفِ بهم صدورنا، اللَّهُمَّ أذهب بهم غيظ قلوب المؤمنين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مجللًا، اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نصبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّهُ أَكْبَرُ، والله يعلم ما تصنعون.





[1] أخرجه البخاري (7047) بنحوه، ولم أقف عليه في مسلم، والله أعلم.

[2] أخرجه البخاري (7047) بنحوه، ولم أقف عليه في مسلم، والله أعلم.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
(هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما)
حكم وزواجر من خطب البلغاء (خطبة)