تجربتي مع تصحيح البحوث واكتشاف السرقات


تجرِبتي مع تصحيح البحوث واكتشاف السَّرِقات

 

اكتسبتُ مع الوقت – ولله الحمد – مهارةَ تحديد لغةِ مؤلفٍ قديم من لغة مؤلف حديث، كما أصبحت أُميِّز اللغة العلمية الأكاديمية “النقية” عن لغة مبتدئ يحاول أن يبني من أفكاره معنًى، وينسُج من معجمِه البسيط مبنًى، وهذه مهارة لم أكتسبها بين عشِيَّةٍ وضحاها، بل من سنوات من القراءة المتنوعة والبحث الجادِّ.

 

الآن، وأنا أقرأ بعض البحوث، أصبح بمقدوري الوقوف على سرقة نصوص نقَّاد القرون الأولى، وكشف نِسبتِها إلى كُتَّاب وباحثين من العصر الحديث؛ ذلك لأن أساليب ومصطلحات أي عصر تظل مخبوءَةً في ثنايا نصوص أصحابها، أشبه “بخبرهم الوراثي”، وهي تُخبِر عن صاحبها مهما حاول الباحث طمسَهُ.

 

والذي يحصل معي عند تصحيح البحوث ومراجعتها هو أن تشدُّني النصوص دون تنصيص وإحالات، وتَلفتني المصطلحات دون أصحابها، فأعود إلى البحث تهدِئةً لشغب أشعَلَتْهُ هذه النصوصُ في فكري وخاطري.

 

فإما أن أعود إلى المصدر الذي اعتقدت أن النص منه بداية، أو بالعودة إلى آخِر إحالة ذُكرت قبل “المسروق“، فأجِد أن الباحث إما أنه قد أخذ النصَّ من المصدر ولم ينسُبه إلى صاحبه، أو أنه أخذه بالواسطة ولم يعُد إلى الأصل، فعدَّه من كلام الناقل، والاحتمال الثالث أنه أخذه من صفحة إلكترونية لم تُحِل هي الأخرى على المصدر، فعجَزَ الباحث عن البحث، واكتفى بالنقل دون تنصيص وإحالة على المصدر الواسطة أو الأصل، أما الرابع فثقةُ الباحث الزائدة بنفسه، وتقليله من قدرة القارئ ومُشرِفِه على كشف الأمر.

 

الأمر الثاني الذي به أُحدِّد موقع السرقة، هو أن تكون اللغة بسيطة فيها ما فيها من الثغرات والمزالق، ثم فجأة تتحول إلى لغة علمية عالية منتظمة البناء منسجمة المعنى، ثم تثقل مرة أخرى بما تحمله من ركاكة وأخطاء، وهذه الصورة أو الحالة أشبه بركوب سيارة تسير بك في مطبَّات ومنعرجات كثيرة تخنُق أنفاسك، ثم يزول ذلك فتطمئن على طريق سليمة لا مطبات فيها ولا حُفَرَ، ثم تعود مرة أخرى إلى الحفر فتستثقل الطريق، ومن هذا الانشراح والاختناق في القراءة، تفترض شبهة النقل؛ لأن اختلاف أسلوب الكتابة وانتقاله من البسيط والركيك أحيانًا، إلى لغة أكاديمية عالية لا يتغير عند باحث من سطر إلى آخر، ولا بين عشية وضحاها، وحين يواجهني مثل هذا، آخُذُ من النص كلماتٍ مفاتيحَ لأرفع بها حُجُبَ الشَّكِّ فيثبت بالدليل، إما سرقة نص أو سرقة بحث بأكمله، خصوصًا حين تمتد اللغة المتميِّزة في صفحات كثيرة ودون أي هامش.

 

الكاتب أو الباحث ليس ملاكًا، يمكن أن يقع في الخطأ مثل غيره من البشر، فتنزلق أصابعه إلى نصٍّ ما سهوًا، ويغفُل قلمه عن توثيق، لكنَّ الإغراق في تتبُّع الحوافر، وطمس الهُوِيَّات سقطة أخلاقية علمية، يشُقُّ النهوض بعدها، ويصعُب على القرَّاء تجاوزها، خصوصًا بعد تعرُّض صاحب السرقة لأقلام النُّقَّاد وسِياطهم.







Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مكتبه السلطان – 10 كتب في 2021 – شذر مذر 7
شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس (47)