الفرق بين مفهوم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


الفرق بين مفهوم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

 

يخلط الكثيرون بين مفهوم الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويظنون أنها شيء واحد، وأن وجود الدعوة من محاضرات ودروس ومواعظ ونحوها يكفي عن الأمر والنهي والاحتساب.

 

وللتوضيح يُقال:

معنى الدعوة: هي الحث العام على فعل الخير، والتحذير العام من الشر بهدف تعزيز الوقاية، من غير توجيه فعل أو ترك لشخص بعينه.

 

أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو توجيه لشخص بعينه أن يفعل أو يترك.

 

الدعوة تهدف إلى تعزيز الوقاية في المجتمع بالترغيب في الخير والتحذير من الشر.

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يهدف إلى العلاج بالترك أو الفعل بشكل مباشر.

 

وللتوضيح أيضًا:

الدعوة كمثل دور مشرف التوعية الصحية، الذي يبيّن للناس المرض وأسبابه وطرق الوقاية منه وأسباب الصحة، لكنه لا يتوجه إلى المصاب بالمرض لعلاجه.

 

بينما المحتسب مثل الطبيب الذي يتدخل لعلاج من وقع في المرض؛ فيشخّص، ويصف الدواء، ويوجه المريض بفعل كذا وترك كذا وتناول كذا.

 

إذًا، فلا تكفي التوعية عن دور الطبيب، ولا يغني أحدهما عن الآخر.

 

وفي قوله تعالى:

﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

تأكيد على ما ذُكر؛ فأول الآية دعوة وتوعية، ثم جاء العطف بالخصوص بعد العموم؛ فالاحتساب أخص من الدعوة، وإن كان عند الإطلاق يشملها، وعند التفصيل يختلف عنها.

 

ومثل ذلك قوله تعالى:

﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

 

فالصلاة الوسطى أخص من عموم الصلوات؛ فعند ذكر الصلوات يشملها، وعند التفصيل تختلف عن بقية الصلوات في صفتها ووقتها.

 

إذًا، يمكن القول إن الدعوة والاحتساب مثل الإيمان والإسلام، والشكر والحمد ونحوها؛ إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. فهما عند الوصف العام يتداخلان، وعند التقسيم يختلفان.

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

“فالدعوة أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل ترغيبًا وترهيبًا، دون أن يوجه أمرًا معينًا لشخص معين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما يوجه إلى شخص معين أو طائفة معينة وما أشبه ذلك، لكن فيه أمر؛ افعلوا، اتركوا. فلو قام رجل بعد صلاة الظهر -مثلًا- يدعو الناس ويرشدهم إلى الله، يبيّن الحق ويرغّب فيه، ويبيّن الباطل ويحذّر منه، فإن هذا يُقال: إنه داعٍ إلى الله. ولو رأينا رجلًا يقول لشخص: يا فلان، افعل كذا، يا فلان، اتقِ الله، اترك كذا، فإن هذا آمرٌ وناهٍ…”.

 

(شرح العقيدة السفارينية، ص 708).

 

يتوهم البعض أن قوله تعالى: “يأمرون بالمعروف” يعني الدعوة، و”ينهون عن المنكر” يعني الاحتساب، والحقيقة أن “يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” كلها احتساب، والدعوة هي الجملة الأولى من الآية: “يدعون إلى الخير”.

 

لذلك عرّف العلماء الاحتساب بأنه أمر بمعروف ظهر تركه، ونهي عن منكر ظهر فعله. وهذا لا يعني التقليل من أهمية الدعوة أو شأنها؛ بل هي مهمة وضرورة، فلو ضعفت لزاد الشر وقل الخير. فهي كالغيث على الأرض، إذا نقص أو توقف، هلكت الزروع، وجاع الخلق، وفسد مظهر الأرض.

 

وربما يكون هناك عدم قدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاكتفاء بالدعوة. فهذا شيء، لكن لا تُغيّر المصطلحات وتُزاح عن معانيها الأصلية، فيقال -مثلًا-: “حسبة وقائية”، وهذا مصطلح غير مستخدم عند أهل العلم، وهو استخدام حادث.

 

فركائز الإصلاح في كل مجتمع تقوم على ثلاث:

1- التربية.

 

2- الدعوة العامة.

 

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب.

 

ولكل نوع مفهومه واختصاصاته، ولا يغني أحدها عن الآخر حين القدرة عليها جميعًا.

 

والله تعالى أعلم.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Greek Civilization on the Jewish Calendar System: An Islamic – ResearchGate
مكتبه السلطان – أفضل 3 كتب عن التسويق لمعرفة كل اسرار المجال