العصفور المغرور
العصفور المغرور
في صبيحة أحد الأيام الجميلة من أيام فصل الربيع، طارت العصفورة بعيدًا؛ بحثًا عن غذائها في الحقول الفسيحة المجاورة للغابة التي بنت على أغصان إحدى أشجارها الباسقة عشها. قبل أن تغادر العش الدافئ، حذرت صغارها من كثرة الحركة، ونصحتهم بالهدوء؛ كي لا تلحظهم الطيور الجارحة فتفترسهم.
لكن أحد الفراخ وقبل أن يكتمل نموه، دفعه غروره إلى أن يجرب حَظَّه في الطيران، متجاهلًا نصيحة أمه العصفورة. ما كاد يقف على ساقيه على حافَةِ العش، حتى هوى إلى الأرض، ورغم تحريكه لجناحيه الصغيرين لم يستطع الطيران.
كم كانت دقَّات أفئدة أشقائه سريعة وهم يشاهدون ثعلبًا جائعًا يحث الخطى نحوه ليأكله، ورغم خوفهم الشديد صاحوا جميعًا: أخي أخي اختبئ بين الحشائش ولا تتحرَّك، احذر الثعلب الجائع، احذر الثعلب الجائع.
لكن العصفور المغرور استمر يمطط ساقيه ويحرك جناحيه، عساه يطير ويعود إلى العش، باءت كلُّ محاولاته بالفشل، والخطر يقترب منه شيئًا فشيئًا، واشتد جزع إخوانه وازداد خفقان قلوبهم مع كلِّ خطوة كان يخطوها الثعلب نحو أخيهم.
وفي إحدى اللحظات، جفَّ ريقهم وتبلَّل ريشهم من شدة العرق، وهم يلاحظون فيلًا ضخمًا يتقدم نحو أخيهم، فأغمضوا عيونهم حتى لا يروا أخاهم يسحقه الفيل بأرجله. وما كادوا يفتحونها حتى انتابهم هلع شديد لما هوى الفيل بخرطومه الطويل على أخيهم. لقد ظنوا أنه سيأكله، واستغربوا لهذا الأمر أيما استغراب. ولأن الفيل حيوان عاشب فإنه لم يصب أخاهم بأذى، وإنما حمله بخرطومه ليعيده إلى العش الدافئ.
وقبل أن ينصرف الفيل أسمعوه تغريدة شكر جميلة، تحية له على عمله النبيل الذي أنقذ حياة أخيهم من أنياب الثعلب الجائعة.