السحر والمس والعين (1)
السحر والمس والعين (1)
الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ:
فإن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يُبتلَى فيها المؤمن بالسراء والضراء، والشدة والرخاء، والصحة والمرض، والغنى والفقر؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]؛ أي: نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم تارة أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يقنط ومن يصبر، ومن هذه الابتلاءات التي يصاب بها الناس: السحر والعين والمس، وهي ثابتة بالشرع والحس، وقد كثر المشتكون منها في هذه الأزمان، وهذه الأمراض لها أسباب أذكر بعضًا منها:
1- ابتلاء من اللَّه: وهذا قد يحصُل لبعض الصالحين والصالحات، وقد وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر؛ كما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَما يَفْعَلُهُ، حَتَّى جاءه الملكان وأخبراه بموضع السحر، فَأَمَرَ بِه فَدُفِنَ[1].
قال ابن القيم رحمه الله: «والسحر الذي أصابه صلى الله عليه وسلم كان مرضًا من الأمراض عارضًا شفاه اللَّه منه، ولا نقص في ذلك ولا عيب بوجهٍ ما، فإن المرض يجوز على الأنبياء، وكذلك الإغماء، فقد أُغمي عليه صلى الله عليه وسلم في مرضه، ووقع حين انفكت قدمه، وجُحِشَ شِقُّهُ، وهذا من البلاء الذي يزيده اللَّه به رفعةً في درجاته ونيل كرامته، وأشد الناس بلاء الأنبياء فابتُلوا من أُممهم بما ابتُلوا به من القتل والضرب والشتم والحبس، فليس ببدع أن يُبتلى النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أعدائه بنوع من السحر كما ابتُلِيَ بالذي رماه فشجه، وابتُلِي بالذي ألقى على ظهره السلى وهو ساجد، وغير ذلك فلا نقص عليهم ولا عار في ذلك، بل هذا من كمالهم وعلو درجاتهم عند اللَّه»[2].
2- المعاصي والذنوب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79]، قال بعض السلف: إني لأعصي اللَّه فأرى ذلك في نفسي ودابتي.
3- الغفلة عن ذكر اللَّه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين ﴾ [الزخرف: 36]؛ روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ»[3].
اللهم اكفِنا شرَّ الأشرار وكيد الفجار، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ونعوذ بك أن نُغتال من تحتنا.
والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
1- اذكر بعضًا من أسباب السحر والمس والعين.
2- هل سُحِرَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ مع ذكر الدليل.
3- ذكر المؤلف أن من أسباب السحر والمس والعين الغفلة عن ذكر الله، اذكر الدليل على ذلك.