العلوم التربوية: طريق إلى تطوير الذات
العلوم التربوية: طريق إلى تطوير الذات
لقد حصلتُ على درجة البكالوريوس في التربية، ولم أكن مهتمة بذلك التخصص كثيرًا، ولم أكن على استعداد للعمل كمعلمة في مدرسة. حينها لم أدرك القوة التي أمتلكها، ولم أكن أعلم أن التربية ستكون طريقي للخوض في مجال تطوير الذات، بتطبيقه على نفسي أولًا، وتعليم غيري لاحقًا. وقد توضحت الرؤية لدي أكثر حين التحقت ببرنامج الدكتوراة في أصول التربية. حينها فقط أدركت أن هذا المسار كان مخصصًا لي. كنت أعتقد أن التربية كتخصص تتعلق بالتدريس في المدارس والجامعات، ولم أدرك أنها ستكون أكثر من ذلك بكثير.
إن أعظم درس تعلمته خلال رحلتي للحصول على الدكتوراه هو أن الغرض الرئيسي من التربية لا يدور حول تعلم معلومات، بل إنه وسيلة لتعلم كيفية التفكير، عندما يتم ذلك بشكل صحيح بالطبع. بمجرد إتقان هذه المهارة، ستمتلك قوى خارقة، حرفيًا. سيكون لديك القدرة على إنشاء خيارات عديدة، والاختيار من بينها يعتبر قوة بحد ذاتها، يمكنها أن تنقذ حياتك، أو تغيرها. يمكنك العثور على هدف في الحياة، وإنشاء خطة مصممة جيدًا لتحقيقه. يمكنك تغيير أفكارك، ومشاعرك، وحياتك. لن تظل ضحية للظروف. سوف تتعلم كيف تدافع عن نفسك، وتحدث تغييرًا في حياتك، وكذلك تحدث فرقًا في حياة شخص آخر.
إذن ما هو الشيء المميز في العلوم التربوية الذي يجعلها سلاحًا قويًا؟ دعنا نلقي نظرة سريعة ونكتشف:
التفكير:
كبشر فإن وجودنا بالكامل يتميز بقدرتنا على التفكير. إنه ما يجعلنا مختلفين عن الكائنات الحية الأخرى. تم بناء العديد من العلوم حول التفكير في كيفية تفكيرنا: مثل الفلسفة، وعلم النفس، والتربية، وعلم الإنسان، وعلم الأعصاب، على سبيل المثال لا الحصر. ولكن نظرًا لكون التربية هي المحور الأساسي لهذه المقالة، فسأبقيها بسيطة ومباشرة.
إن العلوم التربوية تتعامل مع العقل البشري، فهي تطرح قضايا مثل: العقلانية، والمنطق، والإدراك، والوعي، والذاكرة، واللغة، والذكاء، والأخلاق، بالإضافة إلى طرق تطوير هذه الأمور على مدار العمر. كما تدرس العلوم التربوية الأنشطة العقلية التي نستخدمها لمعالجة المعلومات، وإقامة الروابط، واتخاذ القرارات، وخلق أفكار جديدة. فأنت تستخدم مهارات التفكير الخاصة بك عندما تحاول فهم التجارب، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، وطرح الأسئلة، ووضع الخطط، وتنظيم المعلومات. أنواع التفكير الرئيسية هي: النقد، والتحليل، والإبداع، والتباعد، والتقارب، والمنطق، والتجريد. كل منها يحتوي على العديد من المهارات، على سبيل المثال: التفكير النقدي يعلمك الطريقة الصحيحة للمقارنة والتباين.
كما تهتم العلوم التربوية بمفهوم التفكير، وخصائصه، ومستوياته، وأنواعه، ومهاراته، واستراتيجياته، كما أنها تعلمنا كيفية تعليم مهارات التفكير، وتعلمنا كيف “يتعلم” المتعلمون، وكيف “يدرسون”، وكيف يمكننا مساعدة المتعلمين على التغلب على عقبات التعلم.
لماذا يعد هذا مهمًا في تطوير الذات؟ من الواضح أننا بحاجة إلى تعلم كيفية التفكير السليم لحل المشكلات، والتغلب على العقبات، واتخاذ القرارات، ووضع الخطط. هذا هو جوهر تطوير الذات، والتعليم الجيد سيساعد في وضعنا على المسار الصحيح.
المهارات الحياتية:
كما تتناول العلوم التربوية المهارات الحياتية الحاسمة، مثل إدارة الذات، وإدارة الوقت، ومهارات التخطيط الاستراتيجي، وتحديد الأولويات، وعلم المستقبل، والتعلم الذاتي، ومحو الأمية التكنولوجية، ومهارات اتخاذ القرار، ومهارات القيادة، والمسؤولية، والعمل الجماعي، وإدارة الأزمات، ومهارات الاتصال، وحل المشكلات، والذكاء العاطفي، ومهارات التكيف، وما إلى ذلك.
التنشئة الاجتماعية:
هذا المصطلح يحمل معاني مهمة في التربية. فالتنشئة الاجتماعية هي عملية استيعاب معايير وأيديولوجيات المجتمع. وتشمل كل من التعلم والتعليم، وبالتالي فهي “الوسيلة التي يتم بها تحقيق الاستمرارية الاجتماعية والثقافية”. إنها تدمج ما بين علم الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وهي العلوم التي تهتم بالتفاعل الاجتماعي وتأثيره على تطور البشر. لذلك، يتم تدريس التنشئة الاجتماعية لطلاب العلوم التربوية. هذا ليس مكانًا للخوض في علم التنشئة الاجتماعية أو مناقشة نظرياته أو أنظمته أو عملياته، ولكن من المفيد لغرض هذه المقالة ذكر تأثير مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التي تبني البشر وتؤثر عليهم طوال فترة حياتهم، وهي:
الأسرة:
من الواضح أنها المؤسسة الرئيسية والأساسية التي يتم فيها تنشئة الشخص وتربيته. فالأسر من جميع الأنواع والأحجام تشكل شخصياتنا، إما بشكل إيجابي أو سلبي، أو كلاهما معًا. ومع ذلك، يمكن التغلب على الأخطاء التي ترتكبها أسرنا من خلال إعادة التنشئة الاجتماعية وتطوير الذات.
مجموعات الأقران:
يلعب الأقران دورًا بالغ الأهمية في تشكيل شخصية المرء وقناعاته. وسواء كان لديك أصدقاء أم لا، ففي كلتا الحالتين يتشكل ويتأثر بك أقرانك. لقد سمعنا جميعًاعن ضغط الأقران على سبيل المثال، وتعرضنا له.
المؤسسات التعليمية:
إننا نقضي سنوات عديدة في المدارس والجامعات، والتعليم الذي نتلقاه يشكل معتقداتنا وشخصياتنا بعدة طرق. كما أن الطرق التي تعاملنا بها هذه المؤسسات تؤثر علينا أيضًا بشكل كبير. فالعديد منا كان يتمتع بشعبية واحترام، والعديد منا تعرض للتنمر والإهمال. وفي كلتا الحالتين، تتشكل شخصياتنا خلال هذه السنوات الحاسمة، وتؤثر على حياتنا وقراراتنا بالتأكيد.
المؤسسات الاجتماعية:
وتشمل أماكن العمل، ووسائل الإعلام، وأماكن العبادة، وأماكن الترفيه، والأنظمة الاقتصادية، والأنظمة القانونية.
وأخيرًا، لا أحد يستطيع أن ينكر تأثير هذه المؤسسات علينا جميعًا. فمن خلال التعليم المناسب، والقدر المناسب من المعرفة، نستطيع أن نستخدم تطوير الذات لصالحنا، وأن نتعلم كيف نتخلص من السلبية التي تلقيها علينا هذه المؤسسات مجتمعة. ويتحمل المعلمون واجبًا مقدسًا يتمثل في تعليم الطلاب من جميع الأعمار المهارات اللازمة للنمو الشخصي، وتطوير الذات، والتواصل الاجتماعي الصحي، والازدهار في الحياة.