الجن في القرآن
الجن في القرآن
اعلم وفَّقنا الله وإياك وجميع المسلمين لِما يُحبه ويرضاه، وجعلنا وإياك وإياهم من المصدِّقين لله فيما أخبر به، وحيث إنه قد كثُر في زمننا المنكرون للجن، وغالبهم يستندون في إنكارهم بأن طريق معرفة وجودهم هي النظر أو السمع أو اللمس، وأنهم لم يروا جنًّا، ولم يسمعوهم، ولم يمسوهم.
ولكن عدم النظر أو السمع أو اللمس، أو عدم وصول أحد الحواس الخمس إلى وجود الجن لا يقوم دليلًا على عدم وجودهم لا نقلًا ولا عقلًا، أما العقل فإنه يجوز وجود كائن حي غير مرئي بالعين بدون واسطة المجهر المكتشف أخيرًا، فإن المكروب كائن حي خلقه الله وهو كثير في طبقات الجو، ولا يمكن رؤيته بالعين.
ومن لم يُقرَّ ويعتقد ما غاب عن سمعه ولمسه، لزِمه إنكار الروح والآلام والعقل والجوع والظماء؛ لأنها ليست مرئية ولا مسموعة ولا ملموسة ولا مذوقة، وأما النقل فكثير فمن الأدلة قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وقال الله تعالى آمرًا رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن يُخبر قومه أن الجن استمعوا لقراءة القرآن، فآمنوا به وصدقوا لما قال وتلا، وانقادوا له؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ﴾ [الأعراف: 27]، وهذا من حكمة الله ولطفه بعباده البشر، فلو كشف لنا عن حقيقتهم، وسلَّط نظرنا المحدود على ذواتهم، لَما أمكن والله أعلم أن يعيش الإنسان معهم، وقال تعالى: ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾ [النمل: 17]، وقال: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وقال في من سخر لسليمان: ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [سبأ: 12]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275]؛ قال ابن عباس: «آكلُ الربا يُبعث يوم القيامة مجنونًا يُخنق»؛ رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف بن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك إلى غير ذلك من الآيات.
اللهم انْهَج بنا مناهج المفلحين، وألبِسنا خِلَع الإيمان واليقين، وخُصَّنا منك بالتوفيق المبين، ووفِّقنا لقول الحق واتباعه، وخلِّصنا من الباطل وابتداعه، وكن لنا مؤيدًا، ولا تجعل لفاجر علينا يدًا، واجعل لنا عيشًا رغدًا، ولا تُشمت بنا عدوًّا ولا حاسدًا، وارزُقنا علمًا نافعًا وعملًا متقبلًا وفهمًا ذكيًّا، وطبعًا صفيًّا، وشفاءً مِن كلِّ داءٍ.
واغفِر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.