{ سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة … }
فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
1- كثرة ما أعطاه الله تعالى لبني إسرائيل من الآيات البينات الشرعية والكونية الدالة على عظمته وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وصدق رسله، إقامةً للحجة عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴾، وأن النعمة على السابقين منهم نعمة على اللاحقين.
2- تقريع وتوبيخ وتبكيت بني إسرائيل الموجودين في عهده صلى الله عليه وسلم بسؤالهم كم آتاهم الله هم وأسلافهم من الآيات البينة والنعم العظيمة، فلم ينجع ذلك فيهم، بل كفروا وبدلوا نعمة الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
3- تحذير بني إسرائيل في عهده صلى الله عليه وسلم وغيرهم من تبديل نعمة الله تعالى بما أعطاهم من الآيات البينات بالكفر بها وعدم شكرها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
4- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم تجاه تكذيب قومه مع ما جاءهم به من الآيات البينات.
5- أن أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على الخلق إعطاؤهم الآيات البينة في نفسها المبينة للحق من الباطل، والهدى من الضلال، والحلال من الحرام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾.
6- شدة عقاب الله والوعيد بذلك لمن بدل نعمة الله وكفر بآياته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
7- تمام عدل الله عز وجل وحكته، فلا يعاقب أحدًا من الخلق إلا بعد بيان الحق له بالآيات البينات وكفره بها، وتبديل نعمة الله بعد ما جاءته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
8- تزيين الحياة الدنيا للكفار واغترارهم بزخرفها، وانشغالهم بها عن الآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾، وهذا يحتمل أن الله تعالى زين لهم ذلك كونًا وقدرًا، إذ لا شيء يحصل في الكون بلا تقديره، وليس في هذا حجة؛ لأنه لا يحتج بالقدر على المعاصي.
ويحتمل أن الذي زين لهم ذلك هو الشيطان بوسوسته، وتسويله لهم، وفي هذا ما يوجب الحذر منه، ومن الاغترار بالدنيا.
9- عدم اغترار المؤمنين بالحياة الدنيا وزخرفها لمفهوم قوله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾، وذلك لعلم المؤمنين بدناءتها وحقارتها، كما أخبر الله عنها في كتابه، ووصفها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
10- دأب الذين كفروا واستمرارهم على السخرية والاستهزاء بالمؤمنين والازدراء لهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وفي هذا مع بيان أذيتهم للمؤمنين تثبيت قلوب المؤمنين تجاه ذلك.
11- تسلية المؤمنين تجاه سخرية الكفار منهم في الدنيا، ببيان فوقيتهم على الكفار يوم القيامة، فهم في أعلى الدرجات، والكفار في أسفل الدركات، والعاقبة للمتقين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾، وفي هذا تبكيت للكافرين.
12- أن الجزاء من جنس العمل، فحي
ث يسخر الكفار من المؤمنين ويتعاظمون عليهم في الدنيا يجعل الله عز وجل الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة؛ مجازاةً وإرغامًا لهم، كما أنهم فوقهم في الشرف والكرامة في الدنيا والآخرة، وقد قال الله عز وجل للمؤمنين: ﴿ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
13- في الإظهار مكان الإضمار، وفي التعبير بالتقوى بدل الإيمان في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ ﴾ تنبيه على فضل التقوى ومكانتها، وأنها سبب فوقية المؤمنين ورفعة منازلهم وعلو درجاتهم.
14- أن الله عز وجل يرزق بفضله من يشاء من عباده، ويعطيهم العطاء الجزيل من المنازل والدرجات والخير الكثير الذي لا نهاية له في الدين والدنيا والآخرة بلا حساب ولا عد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾.
كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261] وقال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»[1].
15- إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل المتعلقة بمشيئته، كالرزق والإحياء والإماتة، وغير ذلك، وكل ما يقع في الكون من حركة وسكون وغير ذلك إنما هو بمشيئة الله تعالى، أي: بإرادته الكونية.
16- أن الناس في أول الأمر كانوا أمة واحدة على الفطرة ودين الإسلام الذي دان به أبوهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾.
17- أن الاختلاف أمر طرأ على الناس، بعد أن كانوا أمة واحدة على دين واحد؛ لقوله تعالى: ﴿ اختلفوا ﴾، ولا يزال ذلك إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 118، 119].
18- أن سبب بعث النبيين ما وقع بين الناس من اختلاف في الدين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ﴾ رحمةً منه تعالى للناس وإعذارًا لهم.
19- أن الحكمة من بعث الأنبياء والرسل هي التبشير والإنذار؛ لقوله تعالى: ﴿ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾، وهذا يستلزم بيان الحق والدعوة إليه، وبيان الباطل والتحذير منه.
20- إثبات علو الله عز وجل على خلقه بذاته وصفاته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ﴾، والإنزال يكون من أعلى إلى أسفل.
21- أن الكتب السماوية منزلة من عند الله عز وجل غير مخلوقة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ﴾.
22- نزول كتب الله عز وجل بالحق، ووصولها بالحق، واشتمالها على الحق؛ لقوله تعالى: ﴿ بِالْحَقِّ ﴾.
23- أن الله عز وجل إنما أنزل الكتب ليُحْكم بها ويتحاكم إليها عند الاختلاف والنزاع؛ لقوله تعالى: ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾، أي: ليحكم الكتاب أو الرسول بهذا الكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه، إلى أن صار الحكم على جميع الكتب السماوية وبين الناس كلهم لخاتم كتب الله عز وجل القرآن الكريم المهيمن عليها، والناسخ لها، فبالرجوع إلى القرآن والسنة يحصل الاجتماع والائتلاف، وتزول الفرقة والاختلاف.
24- أن الذين اختلفوا في الكتاب هم الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾.
25- التوبيخ لهؤلاء الذين اختلفوا في الكتاب؛ لأنهم اختلفوا فيه بعد إيتائه لهم ومجيء البينات إليهم بسبب البغي والظلم والحسد بينهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾.
26- وجوب الحذر من البغي والظلم والحسد؛ لأن ذلك سبب للاختلاف في الحق، وعدم قبوله بعد بيانه.
27- أن الاختلاف شر يجيب الحذر منه، وخاصة الاختلاف في الدين، لما له من أثر في تفريق وحدة الأمة وبعدها عن الحق، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].
28- توفيق الله عز وجل للمؤمنين وهدايته لهم لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ﴾.
29- أن الإيمان سبب للهداية للحق، وذلك لما يتضمنه الإيمان من صدق صاحبه في طلب الحق، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].
30- أن هداية التوفيق بيد الله عز وجل وبإذنه الكوني، ولعباده المؤمنين خاصة؛ لقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
ولهذا ينبغي سؤال الله عز وجل وحده الهداية إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
31- إثبات إذن الله عز وجل الكوني والشرعي؛ لقوله تعالى: ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: بإذنه وأمره الكوني والشرعي.
32- إثبات أفعال الله الاختيارية لقوله تعالى: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ﴾، وقوله: ﴿ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾، وقوله: ﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾.
33- إثبات المشيئة لله عز وجل، وهي الإرادة الكونية المتعلقة بأفعاله الاختيارية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾.
34- أن ما جاء به الشرع هو الحق والصراط المستقيم، وما سواه فباطل معوج؛ لقوله تعالى: ﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.
35- أن الابتلاء في الدين سنة من سنن الله عز وجل يختبر الله به العباد ليتبين الصادق الصابر من غيره؛ لقوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].
36- تقوية قلوب المؤمنين أمام الابتلاء في الدين وتسليتهم بذكر ما وقع لغيرهم من الأمم الخالية، كما قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120].
37- إثبات الجنة وأنها غالية الثمن، تحتاج إلى مجاهدة وصبر على ما يصيب المؤمن من الابتلاء في ذات الله تعالى.
ولهذا لما سأل هرقل أبا سفيان: «هل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟ قال: سجالًا، يدال علينا وندال عليه، قال: كذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة»[2].
38- أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما صدقته الأعمال، وطريق الجنة ليس مفروشًا بالورود والرياحين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وحفت الجنة بالمكاره»[3]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة»[4]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاءً الأمثل فالأمثل»[5].
وقد أحسن القائل:
فدرب الصاعدين كما علمتم به الأشواك تكثر لا الورود[6] |
وقال الآخر:
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر |
39- أن النصر بيد الله عز وجل يجب أن يطلب منه وحده، كما هو دأب الرسل والمؤمنين معهم؛ لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾.
40- جواز استعجال النصر إذا كان ذلك على سبيل الدعاء بتعجيل النصر مع الثقة بوعد الله عز وجل وترقبه والتطلع إليه، لا على سبيل الشك، أو اليأس من نصر الله.
41- البشارة للمؤمنين بقرب نصر الله عز وجل لهم مما يقوي عزائمهم، ويثبت قلوبهم، ويجعلهم يترقبون النصر ولا يستبطئونه؛ لقوله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾.
وفي هذا بشارة لهم بفتح مكة ونصرهم على أعدائهم.
42- حسن عاقبة الصبر، وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرًا، وأن العاقبة للتقوى.
43- قدرة الله عز وجل التامة على نصر أوليائه وعلى كل شيء، وحكمته البالغة في عدم مبادرتهم بالنصر ليتطلعوا إليه ويصدقوا في بذل أسبابه.
[1] أخرجه البخاري في الصوم (1904)، ومسلم في الصيام (1151)، وأبو داود في الصوم (2363)، والنسائي في الصيام (2215)، والترمذي في الصوم (764)، وابن ماجه في الصيام (1638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2804)، ومسلم في الجهاد والسير (1773) من حديث عبد الله بن عباس عن أبي سفيان رضي الله عنهم.
[3] أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2823)، والترمذي في صفة الجنة (2559) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[4] أخرجه الترمذي في الزهد (2399)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: «حديث حسن صحيح».
[5] أخرجه الترمذي في الزهد (2398)، وابن ماجه في الفتن (4023) من حديث مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
[6] هذا البيت للشاعر العراقي وليد الأعظمي في «ديوان الزوابع»؛ انظر «الأعمال الشعرية الكاملة» (ص85).