استقبال شهر رمضان
استقبال شهر رمضان
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، نبينا محمد وعلى آله الذين حازوا الشَّرفا، وصَحْبه أهل المودَّة والوفا، وبعد:
[1] أول ما يستقبل به شهر رمضان هو التوبة والاستغفار من الذنوب:
قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الزمر: 53 – 55].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 – 71].
والتوبة أهم قواعد الإسلام، وهي أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
والتوبة لها شروط، ومنها:
الندم: وفي الحديث “الندم توبة”.
الإقلاع عن الذنب؛ لأنه لا تتصوَّر التوبة من الذنب مع الإقامة عليه.
العزم على عدم العود إلى الذنب.
رد المظالم إلى أهلها.
ولا يُشترَط في صحة التوبة وقبولها عدم الرجوع للذنب مرة أخرى، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ عبدًا أصاب ذنبًا- وربما قال: أذنب ذنبًا- فقال: رب أذنبت- وربما قال: أصبت- فاغفر لي، فقال ربُّه: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبًا- أو أذنب ذنبًا- فقال: رب أذنبت- أو أصبت- آخر فاغفره؟ فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا- وربما قال: أصاب ذنبًا- قال: قال رب أصبت- أو أذنبت- آخر فاغفره لي، فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثلاثًا، فليعمل ما شاء».
معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب، غفرتُ لك.
وفي جامع الترمذي عن أنس بن مالك، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابها مغفرة».
وكانوا يقولون: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
الفرق بين التوبة والاستغفار:
الاستغفار: هو طلب الغفر، وهو الستر، وعدم المؤاخذة بالذنب.
والتوبة: الرجوع عمَّا كان فيه من شرك ومعصية إلى خلاف ذلك.
وقد جمع الله تعالى بين الأمر بالاستغفار والتوبة معًا في عدة آيات، وكلها في سورة هود، قال تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، وقال تعالى: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]، وقال تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90].
الودود: المُحِبُّ لعباده المؤمنين، مشتق من المودَّة وهي المحبَّة، وقد قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ ﴾؛ أي: الساتر للعيوب، العافي عن الذنوب، لا يفضح عباده المؤمنين في الدنيا، ولا في الآخرة، ﴿ الْوَدُودُ ﴾ المُحِبُّ لأوليائه المؤمنين المطيعين، كما يحب أحدُنا أخاه بالبُشْرى والمحبَّة، وقيل: هو المتودِّد إلى أوليائه بالعفو، والمغفرة.
وفي كل هذه المواضع قدَّم الاستغفار على التوبة، وربط بين الاستغفار والتوبة وأسمائه الحسنى الدالَّة على الرحمة والمغفرة والقرب والإجابة والودِّ.
وفي صحيح البخاري قال أبو هريرة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وفي صحيح مسلم عن الأغر المزني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
قال القاضي: قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل، عَدَّ ذلك ذنبًا، واستغفر منه.
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة».
(توبوا إلى الله) هذا الأمر بالتوبة موافق لقوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
وحاجتنا للتوبة قبل رمضان بسبب أن الذنوب لها آثار، ومنها الحرمان من الطاعات.
[2] مقاطعة وسائل التواصل (الفيسبوك…. إلخ).
[3] مقاطعة المسلسلات والبرامج المضحكة والمقالب… إلخ.
[4] الحفاظ على الوقت وعدم تضييع العمر في غير طاعة؛ لئلا يعقب ذلك ندم.
ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كُنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ»وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
ففي جامع الترمذي عن أبي هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحدٍ يموتُ إلا ندم»، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: «إن كان محسنًا ندم ألَّا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم ألَّا يكون نزع».
ولأن العبد مسئول عن عمره فيما أفْناه كما في حديث الترمذي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربِّه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابِه فيمَ أبْلاه، وماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقَه، وماذا عَمِل فيما علم».
وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: «الدُّنْيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالمًا، أو مُتعلِّمًا».