من أسماء الله الوهاب (خطبة)
من أسماء الله الوهاب (خطبة)
الحمد لله الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، أحمده تعالى حمدًا يتجدد بالعشي والإبكار، وأشـكره سبحانه على نِعَمِهِ الغِزار، وأسأله المزيد من فضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالم الغيب والشهادة، وكل شيء عنده بمقدار، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُالله ورسوله المـصطفى المـختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله البَرَرة الأطهار، وصحبه الأئمة الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد معاشر المؤمنين:
فاتقوا الله جل وعلا، وراقبوه مراقبةَ مَن يعلم أن ربه يسمعه ويراه، واعلموا – رعاكم الله – أن تقوى الله جل وعلا أساس السعادة، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، وهي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
سبحانك! ما أعظم فضلك! وما أ كثر عطاياك! سبحان جزيل العطاء والنوال! لا يقطع فضله في كل حال، كثير الـمَنِّ والأفضال، واللطف والإقبال، ويعطي الحاجة بغير سؤال، ولا يقطع عن العبد فضله في كل حال.
يعطي بلا وسيلة، ويُنْعِم بلا سبب ولا حيلة، سبحانه كما تتابعت نِعَمُه، وفاض كرمه، وزاد بِرُّه وخيره، يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويجبر كسيرًا، ويغنـي فقيرًا، ويشفي سقيمًا، ويخصب عقيمًا، ويعلم جاهلًا، ويهدي ضالًّا، ويرشد حيرانَ، ويغيث لـهفانَ، ويفك عانيًا، ويكسو عاريًا، ويسلي صابرًا، ويزيد شاكرًا، ويقبل تائبًا، ويجـزي محسنًا، ويعطي محرومًا، وينصر مظلومًا، ويقصم ظالمـًا، ويقيل عثرةً، ويستر عورةً، ويؤمن روعةً، ويزيل لوعةً، وكل ذلك في غير استحقاق من عباده ولا حق لهم عليه.
ولقد أحسن القائل:
ما للعباد عليه حق واجبٌ كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُ إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله وهو الكريم الواسعُ |
معاشر المؤمنين:
يقول جل اسمه: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ [ص: 9]، اسم الله تعالى “الوهَّاب” اسم عظيم من أسمائه جل وعلا؛ ومن معانيه أنهكثير الهبة والمـنَّة والعطيَّة، هو الذي يعطي بلا مقابل، ولا ينتظر الرد، بيده سبحانه خزائن كل شيء، وملكوت السماء والأرض، ومقاليد الأمور، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى ولا معطيَ لما منع، فهو سبحانه يهب لمن يشاء ما يشاء، ولا تزال هباته على عبده متواليةً، وعطاياه متتاليةً، في عطاء دائم وسخاء مستمر، يجود بالعطاء قبل السؤال.
عباد الله:
هبات الوهَّاب وعطاياه لمن يشاء لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فمهما قمنا بعدها لن نحصيها؛ فكل ما في الكون هبة من الله لخلقه، يهب الحكمة والحُكم، والعلم والرزق لمن يشاء؛ فالإنسان بما أودع الله فيه من بدن وعقل وحواس هبة، الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان، الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه هبة، والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة، الزوجة والولد، والأرحام والأصدقاء هبة من الكريم سبحانه، كل المـخترعات التي أنعمها على الخلق هبة من الكريم جل وعلا.
إخوة الإسلام:
ألَا إن أعظم هبة، وأكبر نعمة على هذه الأمة تخصيصها بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا؛ فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
أيها المباركون:
وإذا أراد الله أن يهَبَ عبده شيئًا، لا يستطيع الإنس والجن وجميع القوى أن يمنعوه أو ينقصوه أو يؤجلوا هبةً وهبها لعباده، ولما سأل سليمان عليه السلام ربَّه جل وعلا ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وصف الله تعالى بأنه هو الوهَّاب، وناداه بأنك أنت الوهَّاب، فليس غير الله قادرًا على أن يستجيب لهذا المطلب الذي طلبه سليمان عليه السلام، ويُذكر أن بعض أصحاب أبي علي الثقفي سألوه عن أي اسم من أسماء الله يجري على لسان أبي علي أكثر؟ فأجابهم: إنه اسم الله الوهَّاب، فقال السائل: لذلك كثُر ماله.
أيـها المـسلمون:
اسم الله الوهَّاب قد أشرق نوره على الخلق جميعهم؛ مؤمنهم وكافرهم، برِّهم وفاجرهم، فلم يبقَ واحد من خلقه إلا مفتقرًا لعطايا ومنح الوهَّاب، لم يبقَ واحد منهم إلا وهو مغمور بفضائل وآلاء الوهَّاب الكريم.
فسبحان الوهَّاب الذي بيده ملكوت كل شيء، وخزائنه مملوءة بكل شيء، يهب ما يشاء، لمن يشاء، في أي وقت شاء، من ملك وسلطان ونبوة، المتفضل بالعطايا والنعم، الذي يجود بالعطاء، ولا ينقص ما في خزائنه؛ لأن له خزائن السماوات والأرض؛ ﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 7]، خزائنـه لا تنفد، ينفق منها كيف يشاء، لا حجر عليه، ولا مانع يمنعه مما أراد، وهو الذي بسط فضله وإحسانه الديني والدنيوي على جميع العباد.
فاللهم هَبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبـــة الثانيـــة:
الحمد لله لا مانع لما أعطى، ولا معطيَ لِما منع، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبدالله؛ أما بعد:
فيقول الكريم سبحانه وتعالى: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ [ص: 9].
أيها المـؤمنون:
إذا سألتم الوهَّاب سبحانه فأجْزِلوا في الطلب، فما طُرقت خزائن الله عند الدعاء بمثل كثرة الإلحاح باسميه “العزيز والوهَّاب”؛ فهو تعالى عزيز لا تغالبه المـطالب، ووهَّاب وسِع بجوده جميع الخلائق، أفتتعاظمه حوائجنا؟
من نظر إلى واسع كرمه، وجليل نعمه، طمع في رحمته، وعلم أن الله خزائنه ملآى لا تنفد، وفضله سابغ لا ينقطع، وشامل لا ينتهي، فإذا أدركت هذا، فاسأل الله تعالى باسمه “الوهَّاب” بكل ما يمـر على خاطرك من خيري الدنيا والآخرة، مما قلَّ منه أو كثُر، فسؤال الوهَّاب في حد ذاته عبادة، وطلب حاجتك من الله عبادة أخرى، ومن دعاء الـمؤمنين ما قاله تعالى: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
نعم أيها الإخوة:
من عرف هذا الاسم، وعاش معه، وهتف به طويلًا، فلن يستسلم للإحباط؛ لأن الله يهب بلمح البصر، فالوهَّاب هو المـعطي من حيث لا تحتسب، الرازق من أضيق الأبواب، وإذا أعطاك أدهشك بجزيل عطائه.
ليس لمن تمنى أمانيَّ صعبة المـنال سبيلٌ إلى تحـققها في الحال أو المآل، إلا الوهَّاب سبحانه، يعطيك ويغمرك بالعطايا، ودون توافر الأسباب؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، ﴿ الدَّاعِ ﴾؛ أي داعٍ، لـم يشترط فيه أي شرط سبحانه وتعالى.
وهو القائل عز وجل: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم تبارك وتعالى حَيِيٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه، أن يردهما صفرًا))؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه، وصححه الألباني].
وكل شيء هين بالنسبة لله عز وجل؛ كما قال في محكم كتابه: ﴿ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم: 9].
فكل ما يعجـز عنه الإنسان لا تعجـز عنه القدرة الإلهـية، وهذا لا يتعارض مع ضرورة فعل الأسباب والسعي في تحقيقها قدر الـمستطاع، وبذل الجهد لبلوغ المـبتغى، وما بعد ذلك يُترك للتدبير الإلـهي الـمدهش.
أيها الكرام:
إن من استقام على شرع الله، فليبشر بـهبة الله الـمدخرة للمؤمنين؛ فما هي؟ إنها جنة عدن، هي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة ناضجة، وزوجة حسناء جميلة، وحُلَل كثيرة، فهل بعد هذه من هبة؟ وهل مقصود أعظم هناك من هذا؟
فعليكم بشكر النعم والقيام بحقها حتى يورثكم الله جنة الخلد.
أسأل الله العظيم لنا ولكم رحمته ومغفرته، وتوفيقه ورضوانه، ورزقه وعطاءه، وكرمه وعنايته وحفظه، وأن يكفينا كل ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة، وأن يهدينا إلى صراطه الـمستقيم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمةً، إنه هو الوهَّاب.
صلوا وسلموا …