مقاصد الفاتحة


مقاصد الفاتحة

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعدهُ، أما بعد:

فهذا الدرس سنتحدثُ فيهِ بإذن الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عن مقاصدِ سورة الفاتحة، هذه السورة العظيمة اشتملت على المقاصد العظمى والغايات الكبرى للقرآن العظيم، كيف لا والقرآنُ قد جُمِع في الفاتحة، والفاتحة جمعت في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

 

إنَّ من أعظم المقاصد العظمى في سورة الفاتحة وهي منطلق دعوة الأنبياء والرُسل -عَلَيْهِم اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – جميعًا إلى أقوامهم، الدعوة إلى توحيد الله – جَلَّ وَعَلَا – فإذا نظرنا إلى آيات القرآن:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، اشتملت على توحيد الألوهية والربوبية، فمقصدها العظيم: التعريف بالمعبودِ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – وبحمدهِ.

 

وفي قول الله – جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، إثبات الأسماء والصفات، اسمان مشتملان على صفةٍ واحدةٍ وهي الرحمة.

 

وهذه الآية أصلٌ في إثبات الرسالاتِ وإنزال الكتب، وإثبات الجنة والنار والعدل، فالرسالات كلها من باب رحمة الله – جَلَّ وَعَلَا – قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال الله – جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

ولو لم يبعث الله – جَلَّ وَعَلَا – الرُسل – عَلَيْهِم اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – لم يعرف الناس ربهم، وما عرَفوا مرضاته، ولا الطريق الموصل إلى رضوانهِ وأمرهِ ونهيه، فأرسل الله – جَلَّ وَعَلَا – الرُسل – عَلَيْهم اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – ليكف عنهم العذاب، ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾[الإسراء: 15].

 

فمبعث الرسول – عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – سببٌ ومانعٌ من العذاب، إذا اتَّبع الناس أمر الله – جَلَّ وَعَلَا – اَلذِي جاء به الأنبياء والرُسل – عَلَيْهِم اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – ولذلك قال النبيّ – عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أبى» [1].

أيضًا هذه السورة من مقاصدها العظيمة: إثبات يوم القيامة ولقاء الله – جَلَّ وَعَلَا – وهذه الآية دلَّت على إيمان العبد بالغيب، ومما لهُ صلةٌ باليوم الآخر في قول الله – جَلَّ وَعَلَا-: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، ولذلك أثنى الله – جَلَّ وَعَلَا – في سورة البقرة على أهل الإيمان ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، وجاء من صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب.

 

ومن مقاصد هذه السورة العظيمة: في قول الله – جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، اشتملت على المقاصد اَلتِي من أجلها خلق الله – جَلَّ وَعَلَا – البشرية، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[الذاريات: 56]، فمقامات الدين الثلاث الإسلام والإيمان والإحسان بركائز العبودية الثلاث المحبة والخوف والرجاء مع قيام العبد بمقام الإخلاص لله تعالى، ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عبادتهِ، كلها مقاصد عظيمة تقود الإنسان لتحقيق ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.

فيسير العبد إلى ربه – جَلَّ وَعَلَا – بعقيدةٍ صافية، وعبادةٍ مخلصة، وخلقٍ فاضل، وأدبٍ جم، فلا ذبح، ولا دعاء، ولا خشية، ولا استغاثة، ولا استعانة إلا بالله الواحد الديان، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162-163].

 

هذه السورة العظيمة بهذه المقاصد العظمى تجعل المسلم في كل زمانٍ ومكان يلحق بقافلة مَنْ أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

إذًا هذه السورة العظيمة: من ثمارها المباركة بناء الشخصية الإسلامية المتميزة اَلتِي جمعت ما بين العلمِ والعمل، وتحقق مصالح الدنيا ونعيم الآخرة، والتكامل ما بين الروح والجسد.

 

فقسَّمت هذه السورة الناس إلى ثلاثة أقسام:

طرفان ووسط:

طرفٌ ابتلي بالإفراطِ مع الجهل.

 

وطرفٌ ابتلي بالتفريط مع العلم.

 

فغضب الله على المفرط تفريطًا مع العلم، وعلى المفرط إفراطًا مع الجهل، وجعل بينهم هذه الأمة اَلتِي أنعم الله عليها، فسارت إلى الله – جَلَّ وَعَلَا – بعلمٍ وعملٍ، واستقامت على رضوان الله – جَلَّ وَعَلَا.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
لا تقبله عيني
حكم اختلاف مطالع الهلال في الصيام