على رسلكما إنها حفصة
على رسلكما إنها حفصة
عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي، قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ ليْلًا، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ ليَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَلى رَسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَي“، فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلوبِكُمَا شَرًّا“، أَوْ قَالَ: “شَيْئًا“[1].
دروس وعبر:
في هذا الحديث من العلم استحباب أن يتحرز الإنسان من كل أمرٍ من المكروه، مما تجري به الظنون ويخطر بالقلوب، وأن يطلب السلامة من الناس بإظهار البراءة من الريب.
ويحكى عن الشافعي رحمه الله في هذا أنه قال: خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلوبهما شيء من أمره، فيكفُرا، وإنما قال ذلك لهما شفقة عليهما لا على نفسه»[2].
وفي الحديث: زيارة المعتكف، والتحدُّث معه، غير أنه يكره الإكثار من ذلك؛ لئلا يشتغل عما دخل إليه من التفرُّغ لعبادة الله تعالى، وعلى أنه لا تُكره له الخلوة مع أهله في معتكفه، ولا الحديث معها، وإنما الممنوع المباشرة، لكن هذا للأقوياء، وأما من يخاف على نفسه غلبة شهوة، فلا يجوز لئلا يفسُد اعتكافُه، وقد كان كثير من الفضلاء يجتنبون دخول منازلهم في نهار رمضان، مخافة الوقوع فيما يُفسد الصوم، أو ينقص ثوابه[3].
وفي الحديث دليل على هجوم خواطر الشيطان على النفس، وما كان من ذلك غير مقدور على دفعه لا يؤاخذ به؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، والله أعلم.