إضاءات في ظلال السيرة (1)


إضاءات في ظلال السيرة (1)

الحدث: إسلام ياسر العنسي وسمية بنت خياط.

الموقف: كان سعد بن أبي وقاص ومجموعة من المسلمين يُصلُّون في أحد شِعاب مكة، وصادف أن رآهم أبو سفيان وجماعة معه وهم يصلون، فحدثت بينهم مشاجرة، وأُصيب عدد منهم في هذا الشِّجار، وكان من المصابين من طرف المسلمين عمار بن ياسر، فلما عاد عمار إلى بيته، رآه أبوه وأمه وهو مصاب، فكان بينهم حديثٌ عن سبب هذه الإصابة، وكان ردُّ عمار عليهم أن قرأ عليهم سورة الضحى، فلما سمعها ياسر وسمية، آمنا بالله ورسوله ونطقوا بالشهادتين.

 

التحليل: ما يهمنا في هذا الموقف هو النقطة الأخيرة منه؛ وهي إسلام ياسر العنسي، وزوجته سمية بمجرد سماعهم لسورة الضحى:

فهم لم يَرَوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا هذا القرآن منه.

ما قرأه عمار عليهم هو سورة الضحى فقط.

آمنوا بعد مصاب ولدهم في المشاجرة مع أبي سفيان ومن معه.

 

يعلمون أن دخولهم في هذا الدين الجديد سيُسبِّب لهم العديد من الصِّدامات مع قريش، كما حدث مع ولدهم، ومع ذلك أسلموا ودخلوا في هذا الدين الجديد، فما سر هذا التحول العجيب في دقائق معدودة، من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، من الكفر إلى الإسلام، من العيشة الهادئة إلى حياة قادمة، سيكون فيها صدام مع قريش؟!

 

هل السر في ثقتهم في ولدهم أنه لا يكذب عليه، أم معرفتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه الصادق الأمين؟ هل السر هو آيات سورة الضحى، أم يكون معرفتهم أن هذا الدين لا يفرق بين العبد والسيد، بل الجميع سواء وفي منزلة واحدة؟

 

ربما تكون هذه الأسباب جميعًا، ولكن ما يعنينا هنا تأثير سورة الضحى عليهم بمقاييس زماننا، هذا لو حدث وقُرئتْ سورة الضحى على رجل أو امرأة على غير دين الإسلام، فلربما لا يؤثر هذا في شيء معه، ولا يدفعه ما يسمعه إلى الدخول في الإسلام، فهل الفرق في الزمان أم الفرق في طبيعة الناس، وطريقة تفكيرهم؟ ربما يكون هذا هو السبب.

 

فإنسان قريش في ذاك الزمان البعيد كانت حياتهم فيها من الأحداث ما يتناسب مع طبيعة ذاك العصر من تجارة ورعيٍ للإبل، وحروب بين القبائل، وتفرقة بين الناس، حسب نسب كل منهم، ومكانته المادية والاجتماعية، ومع ذلك كانت لديهم بعض الأخلاق الكريمة، وفطرة نقية، فلم تكن هناك دعوات لشُبُهات، أو مشتتات، أو شهوات، أو ملهيات، بل كانوا على الفطرة الأولى، فكان أن وقع القرآن على قلوب صفية نقية، فأثر فيهم بشكلٍ حوَّل حياتهم تمامًا.

 

أما إنسان هذا الزمان، فإنه يعيش حياة مختلفة، ولديه من العلوم والمعارف والوسائل الحديثة ما يساعده على التأمل، وزادت فيه المشتتات والملهيات، وصارت النفوس أبعدَ ما يكون عن الفطرة، ناهيك عن عدم معرفتهم بدقائق اللغة، ووجود أفكار كثيرة تدعو إلى الإلحاد، فوجب على الداعي أن يتسلح بأسلحة أخرى لدعوة غيره إلى الإسلام؛ فوجب على الداعي أن يكون ملمًّا بظروف الزمان، والبحث عن الطرق الأنسب لدعوة غيره إلى الإسلام، وتأدية فرض الله عليه على النحو المطلوب.

 

الدروس المستفادة:

1- عودة الناس إلى الفطرة السليمة هي أولى درجات التعرف على الله عز وجل.

2- ربما لا تتناسب وسائل العصر الأول مع هذا الزمان؛ فوجب التغيير بما يناسب هذا الزمان.

3- قراءة القرآن والتعرف على أحكامه أولى الأولويات في الدعوة إلى الله عز وجل.

4- الدعوة إلى الله هي واجب كل مسلم، والعمل على أدائها بكل الطرق المتاحة.

5- يجب مع التقدم التقني أن تكون طرق عرض الإسلام تناسب كل عصر وزمان.

6- وجوب التعرف على الإسلام بمفهوم الفطرة النقية.

7- التسلح بالمعرفة بشبهات العصر، وطريقة تفنيدها هو من واجبات الدعوة إلى الله.

8- زرع أسس الدين في الأطفال منذ نعومة أظفارهم.

9- قراءة القرآن والتدبر في آياته يزيد من درجات الإيمان.

10- التعرف على الله عز وجل، ولزوم طاعته يهون من صعوبات الحياة.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
من آداب الصيام: عدم ترك السحور
مبطلات الصيام