اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار
سلسلة دروس أحاديث رمضان في فضل خير العصور
حديث: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنْصارَ، وأبْناءَ الأنْصارِ
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنْصارَ، وأبْناءَ الأنْصارِ، وأبْناءَ أبْناءِ الأنْصارِ…[1].
الشرح:
وهذا دُعاءٌ بالرحمة مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنصارِ وذَراريِّهم ومن بعدهم، وذلكَ لِمَا لِأُصولِهم مِنَ القِيامِ في نُصرةِ الدِّينِ وإيواءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن معه حالَ شِدَّةِ الخَوفِ والضِّيقِ والعُسْرةِ، وَحِمايتِهم له حتَّى بَلَّغَ أَوامِرَ رَبِّه، وأظهَرَ الدِّينَ وأَسَّسَ قَواعِدَ الشَّريعةِ، فَعادَتْ مَآثِرُهمُ الشَّريفةُ على أَبنائِهم وذُرِّيَّاتِهم.
وعلى كل الحال، فالأنصار هم الجيل الأوَّل، وأبناؤهم هم التابعون، وأبناء أبنائهم هم أتباع التابعين، فلا نزال بهذا في فضل الأجيال الثلاثة المباركة وفضل الصحابة.
[1] أخرجه أحمد (11730) واللفظ له، وابن أبي شيبة (33018)، وأبو يعلى (1092)، والعراقي في محجة القلوب 259، والهيتمي في مجمع الزوائد 10 /32، والوادعي في الصحيح المسند 402، وقال الأرنؤوط في تخريج زاد المعاد 416 /3: إسناده حسن، وقال الألباني في فقه السيرة 395: صحيح.
والحديث بطوله: قال أبو سعيد: لمَّا أصابَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الغنائمَ يَومَ حُنَينٍ، وقسمَ للمُتألَّفينَ مِن قُرَيشٍ وسائرِ العربِ ما قسمَ، ولَم يكُن في الأنصارِ شيءٌ مِنها، قليلٌ ولا كثيرٌ، وجدَ هذا الحَيُّ مِن الأنصارِ في أنفسِهِم حتَّى قال قائلُهُم: لَقيَ واللهِ رسولُ اللهِ قَومَهُ، فمشَى سعدُ بنُ عُبادةَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا الحَيَّ مِن الأنصارِ وَجدوا علَيكَ في أنفسِهِم؟ قالَ: فيمَ؟ قالَ: فيما كانَ مِن قَسمِكَ هذهِ الغنائمِ في قَومِكَ وفي سائرِ العربِ، ولَم يكُن فيهِم مِن ذلكَ شيءٌ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فأينَ أنتَ مِن ذلكَ يا سعدُ؟ قالَ: ما أنا إلَّا امرؤٌ مِن قَومي، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اجمَعْ لي قَومَكَ في هذهِ الحظيرةِ، فإذا اجتمَعوا فأعلِمني، فخرجَ سعدُ فصرخَ فيهِم، فجمعَهم في تلكَ الحظيرةِ … حتَّى إذا لَم يبق مِن الأنصارِ أحدٌ إلَّا اجتمعَ لهُ أتاهُ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، اجتمعَ لكَ هذا الحَيُّ مِن الأنصارِ حَيثُ أمرتَني أن أجمعَهُم، فخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقامَ فيهِم خطيبًا فحمِدَ اللهَ وأثنَى علَيهِ بما هوَ أهلُهُ، ثمَّ قالَ: يا معشرَ الأنصارِ، ألَم آتِكُم ضُلَّالًا فهداكُم اللهُ، وعالةً فأغناكُم اللهُ، وأعداءً فألَّفَ اللهُ بينَ قلوبِكُم؟ قالوا: بلَى، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبونَ يا معشرَ الأنصارِ؟ قالوا: وما نقولُ يا رسولَ اللهِ وبماذا نُجيبُكَ؟ المَنُّ للهِ ورسولِهِ، قالَ: واللهِ لَو شِئتُم لقُلتُم فصدَقتُم وصُدِّقتُم: جئتَنا طريدًا فآوَيناكَ، وعائلًا فآسَيناكَ، وخائفًا فأمَّنَّاكَ، ومَخذولًا فنصَرناكَ … فقالوا: المَّنُ للهِ ورسولِهِ، فقال: أوَجَدتُم في نُفوسِكُم يا مَعشرَ الأنصارِ في لُعاعَةٍ مِن الدُّنيا تألَّفتُ بِها قَومًا أسلَموا، ووَكَلتُكُم إلى ما قسمَ اللهُ لكُم مِن الإسلامِ، أفَلا تَرضَونَ يا مَعشرَ الأنصارِ أن يذهبَ النَّاسُ إلى رِحالِهِم بالشَّاءِ والبَعيرِ، وتذهَبونَ برسولِ اللهِ إلى رِحالِكُم؟ فَوَالَّذي نَفسي بيدِهِ، لَو أنَّ النَّاسَ سَلَكوا شِعبًا وسَلَكتِ الأنصارُ شِعبًا، لسَلَكتُ شِعبَ الأنصارِ، ولَولا الهجرةُ لكُنتُ امْرَأً مِن الأنصارِ، اللَّهمَّ ارحَمْ الأنصارَ، وأبناءَ الأنصارِ، وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ، فبكَى القَومُ حتَّى أخضَلوا لِحاهُم، وقالوا: رَضينا باللهِ رَبًّا، ورسولِهِ قسمًا، ثمَّ انصرفَ وتفرَقوا.