الإكثار من الدعاء أثناء الصيام
من آداب الصيام: الإكثار من الدعاء أثناء الصيام
ذكر الله تعالى الدعاء بعد ذكر آيات الصيام، فقال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:185،186].
يقول ابن كثير رحمه الله في “تفسيره 1/ 219”: ذكر الله تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام، إرشادًا إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، وكذا كل فطر.
وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أو أبي سعيد[1] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة، لكلِّ عبد منهم دعوةٌ مستجابة”؛ قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: “يعني في رمضان”؛ (أطراف المسند لابن حجر، 7/ 203).
وعند البزار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ – يَعْنِي: فِي رَمَضَانَ – وَإِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً”؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1002).
فالصائم له دعوة مستجابة كما بَيَّن هذا الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ”؛ (صحيح الجامع:3030).
قال المناوي – رحمه الله -: “ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ”؛ أي: عند الله تعالى إذا توفرت شروطها[2]، “دَعْوَةُ الصَّائِمِ” حتى يفطر، ومراده كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات، فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه”؛ (فيض القدير للمناوي:٣/ ٣٠٠).
وأخرجه البيهقي أيضًا عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِر”؛ (صحيح الجامع: 3032).
وعند الإمام أحمد والترمذي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حتى يُفْطِرُ – وفي رواية –: حين يفطر – وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ”؛ (حسنه الحافظ ابن حجر في أمالي الأذكار).
ويستحب أن يقال عند الفطر: ذَهَبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العُروقُ وثبَتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ، وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: “ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”؛ (صحيح أبي داود:2357) (صحيح الجامع: 4678).
وفي هذا الذكر اعتراف بفضل الله تعالى في إذهاب الجوع والظمأ والإنعام بالطعام والشراب، فلله الحمد والمنة؛ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَة: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو – رضي الله عنهما – يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: “اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي”؛(رواه ابن ماجه).
تنبيه: هناك أحاديث ضعيفة يرددها البعض عند الإفطار، ومنها حديث رواه أبو داود عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: “اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ”، وفي رواية عند الطبراني في الصغير والأوسط عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: “كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَر، قَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْت“، وهذا الحديث قال عنه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار والحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير: إسناده ضعيف، وقال عنه الإمام الألباني في إرواء الغليل: حديث ضعيف.
ملاحظة: يضيف البعض للدعاء السابق عبارة (وبك آمنتُ وعليك توكلت)، وهذه الزيادة لا أصل لها، قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: “فزيادة، (وبك آمنت) لا أصل لها وإن كان معناها صحيحًا، وكذا زيادة (وعليك توكلت)”.
وأيضًا هناك حديث أخرجه الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللهم لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”؛ (ضعفه الألباني في “الإرواء”:٤/ ٣٦).
[1] قال محقق المسند: 12/ 420: إسناده صحيح على شرط الشيخين، والشك في صحابي الحديث لا يضر.
[2] بأن لا يدعوا بإثم أو قطيعة رحم، أو يدعوا على نفسه أو ولده، وأن يستفتح دعائه بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختم دعائه أيضًا بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يستحضر قلبه أثناء الدعاء، فذلك أرجى للقبول.