السعي لإطعام الطعام وإفطار الصائمين
من آداب الصيام
السعي لإطعام الطعام وإفطار الصائمين
السعي لإطعام الطعام وإفطار الصائمين من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، فقد أخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحَب الناسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ”، وفي رواية: خير الناسِ أَنْفَعُهُمْلِلناسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عز وجل سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أخي المسلم فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ شَهْرًا….”؛ (صحيح الجامع: 176).
وعد النبي صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام من أفضل الأعمال، ففي الحديث الذي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَفْضَلُ الأَعْمَالِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ سُرُورًا، أَوْ تَقْضِيَ عنه دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا”؛ (صحيح الجامع: 1096)، وإطعام الطعام سبيل لسكنى أعالي الجنان، فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّفِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام وتابَع الصيام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام”، وهذه الخصال جميعها تجتمع في رمضان، ففيه إطعام الطعام، وطيب الكلام، والصيام والقيام؛ (لطائف المعارف ص: 242).
ومن إطعام الطعام: تفطير الصائمين:
يُندب تفطير الصائمين؛ لما في ذلك من الأجر العظيم، وتحقيقًا للمودة والألفة بين المؤمنين، وأيضًا لتحصيل ثواب إطعام الطعام، فمن فطر صائمًا فله مثل أجره، فقد أخرج الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان من حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْفَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصائِمِ شَيْئًا”؛ (صحيح الجامع: 6415).
وفي رواية عند البيهقي: “منفطَّر صائمًا،أوجهز غازيًا، فله مثل أجره”؛ (صحيح الجامع: 6414).
– وأخرج النسائي وابن خزيمة عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من جهز غازيًا أو حاجًا أو خلفه في أهله، أو فطر صائمًا، كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا”؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1078).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “إن من نعمة الله تعالى على عباده أن شرع لهم التعاون على البر والتقوى، ومن ذلك تفطير الصائم؛ لأن الصائم مأمور بأن يفطر وأن يعجل الفطر، فإذا أعين على هذا فهو من نعمة الله عز وجل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا”، واختلف العلماء في معنى: “من فطر صائمًا”، فقيل: إن المراد من فطره على أدنى ما يفطر به الصائم ولو بتمرة، وقال بعض العلماء: المراد بتفطيره أن يشبعه؛ لأن هذا هو الذي ينفع الصائم طول ليله، وربما يستغني به عن السحور، ولكن ظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائمًا ولو بتمرة واحدة، فإنه له مثل أجره، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إفطار الصائمين بقدر المستطاع، ولا سيما مع حاجة الصائمين وفقرهم أو حاجتهم؛ لكونهم لا يجدون من يقوم بتجهيز الفطور لهم، وما أشبه ذلك”؛ (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين: 5/ 315).
وكان السلف الكرام يسارعون لإفطار الصائمين، لما في ذلك من أجر كبير، وفضل عظيم، فها هو ابنُ عمر رضي الله عنهما كان يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عن الفقراء والمساكين لم يتعشَ تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه للسائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجَفنة، فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا. وكان يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، والله يعلم أني أُحب السكر.
وكان الحسن يُطعم إخوانه وهو صائم تطوعًا، ويجلس يروحهم وهم يأكلون، وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر، الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم، وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائمًا، واشتهى بعض الصالحين من السلف طعامًا وكان صائمًا، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلًا يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال هذا الرجل الصالح: عبده المعدم من الحسنات، فقام وأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا، فرحمة الله على الرعيل الأول ضربوا أمثلة رائعة في الإيثار والبذل والعطاء.
تنبيه: يستحب لمن أكل أن يقول لمن أطعمه: “أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة”، وذلك للحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قال: “أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ: “أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ[1]، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ”؛ (قال الشيخ الألباني: صحيح دون قوله: “أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[1] الأبرار: الأتقياء.