اليوم الآخر ورسوخ الإيمان
اليوم الآخر ورسوخ الإيمان
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
• في قول الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، فمن هدايات هذه الآية أنها ترسخ الإيمان باليوم الآخر، وما ذاك إلا أنَّ الإيمان باليوم الآخر على درجتين:
الدرجة الأوَلى: أنْ يكون مصدقًا ومؤمنًا ومعتقدًا اعتقادًا يقينيًّا لا يخالطهُ شك ولا ريب بأنَّ هناك حساب، ويوم عقابٍ، ويوم وقوفٍ بين يدي الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – يجازي فيهِ الناس بأعمالهم، وبما قدموا في هذه الحياة الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7].
وقال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال تعالى: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 8 – 9].
هذا الإيمان إنْ لم يكن موجودًا مع كل مسلمٍ في عقيدتهِ، فهو كافرٌ بالله، ولذلك لا بد أنْ يكون إيمانًا جازمًا لا يخالطهُ شكٌ ولا ريب.
أمَّا الدرجة الثانية للإيمان باليوم الآخر، فهو الإيمان الراسخ، وهذا أعلى درجة ورتبة من الإيمان الجازم، لكن ما معنى رسوخ الإيمان؟ معناهُ: استحضار العبد لهذا اليوم، ودوام شفقته منه، واستحضارهِ للقاءِ الله – تَبَارَكَ وَتَعَالَى – والوقوف بين يديه – جَلَّ وَعَلَا – فبالهُ منشغلٌ في الاستعدادِ والتهيؤ بهذا اليوم.
فيا لهناء مَنْ رسخ في قلبهِ الإيمان باليوم الآخر، فهي منزلةٌ رفيعة ومقامٌ عظيم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 26-27]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19 – 20].
هذا الاستحضار لهُ آثارٌ طيبةٌ في سلوك المسلم، ولذلك كان – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عند نومهِ يقول: «اللَّهُمَّ قِني عذابَكَ يومَ تَبْعَثُ عبادَكَ»، ولو نظرنا إلى منهج القرآن والسُنَّة فإنهُ يرسخ هذا الإيمان في هذه العلاقة ما بين الإيمان والعمل الصالح، حتى ذكَر العلماء – رَحِمَهُم اَللَّهُ – أنَّ القرآن اشتمل على أكثر من مائتين موضع ذُكِر فيها هذا التلازم ما بين الإيمان والعمل الصالح.
• فإذا جاء النص مذكرًا بعملٍ صالح يذكر قبل ذلك الإيمان باليوم الآخر، ﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [الطلاق: 2]، وجاء في الحديث: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ»، وفي رواية: «فليكرم ضيفه»، وفي رواية: «فليقل خيرًا أو ليصمت»[1]، كل ذلك يرسخ في قلوبنا الإيمان باليوم الآخر.
اللهم إنَّا نسألك إيمانًا كاملًا ويقينًا صادقًا، وقلبًا خاشعًا ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبلًا.