كيفية تلاوة القران الكريم بتدبر وخشوع


كيفية تلاوة القران الكريم بتدبر وخشوع

 

القرآن الكريم:

((كتاب الله فيه نبأُ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفَصْلُ ليس بالهزل، مَن تَرَكَهُ مِن جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا أصحهما على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ [الجن: 1، 2]، من قال به صدق، ومن عمِل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم))؛ [الحديث رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (29421)، والترمذي في سننه (2967)، والمروذي في قيام الليل (213)، والدارمي في سننه (3284)، والبزار (752)، والبيهقي في شعب الإيمان (1883)، من طريق حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث، عن علي به].

 

والقرآن الكريم هو كلام رب العالمين، نزل به أمين الوحي جبريل عليه السلام، على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لينشر الأمن والأمل والسكينة في قلوب المؤمنين، ويبدد ظلام الكون، ويأخذ بيد الإنسانية الحيرى إلى صراط الله المستقيم، ويرتفع بالبشرية المتعبة من وِهَادِ التِّيهِ والظلام، إلى نِجاد الوضوح والحرية.

 

ويوم نزل جبريل عليه السلام بالقرآن الكريم من السماوات العلا على قلب أستاذ الإنسانية الأول محمد صلى الله عليه وسلم، كانت البشرية على موعد مع التكريم الإلهي الرائق الفائق؛ ليرتقي بالإنسانية إلى قمة المجد والعز والفَخار، وإنه لأروع تكريم، وأحسن ارتقاء حين يكلم رب الوجود تبارك وتعالى الإنسانَ الضعيف القليل، ويبث فيه روح التفاؤل، ويسكُب في قلبه الطمأنينة، وفي شعوره ووجدانه السَّكِينة والثبات؛ لينهض من رَقدتِهِ، وينبعث من نومه، مجاهدًا لنفسه داعيًا لغيره، متحديًا الإنسانية كلها ليصلحها ويهذبها، ويأخذ بيدها إلى صراط الله المستقيم.

 

والمؤمن التقيُّ النقيُّ يقرأ القرآن ليفهمه ويتدبره ليصل إلى الغاية الكبرى من إنزال ربنا تبارك وتعالى لكتابه على قلب نبيه؛ وهي العمل بالقرآن وتحويله واقعًا في حياة البشر، ينظم سائر مجالات الحياة في كل زمان ومكان، فهذه ثلاث مراحل متتابعة تسلم كل واحدة منها للتي تليها، فلا بد من الأولى قبل الثانية، ولا بد من الثانية ليصل المرء إلى الثالثة.

 

وتلاوة القرآن الأصل فيها أن تكون بفَهمٍ وتدبر، لكن إذا لم يفهم المؤمن ويتدبر، فهل يكف عن القراءة؟

لا، كلا، وألف كلا، فقراءة القرآن الحرف فيها بعشر حسنات، والحسنة تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما شاء الله؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنكم تُؤجَرون عليه بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: الم حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف))، فهذ الثواب الكبير الذي وعد الله به التالين لكتابه على أصل التلاوة، سواء كانت بفهم وتدبر أم لا، فبمجرد التلاوة يحصل الإنسان على الثواب؛ قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: “رأيت رب العزة في المنام، فقلت: يا رب، ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، فقلت: يا رب، بفَهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم”، قلتُ: فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر؛ كما قال الشافعي رضي الله عنه؛ لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلو كلام الله عز وجل، ويُؤجَر عليه بكل حرف عشر حسنات، على ما ثبت في أحاديث أخر.

 

نحن لا ندعو إلى القراءة بغير فهم ولا تدبر، ولكن نقول: إن القراءة بغير فهم هي سلم الوصول إلى القراءة بفهم، والقراءة بفهم هي درجة مهمة للوصول إلى العمل بالقرآن، وتحويله إلى واقع ينظم حياة البشر في كل زمان ومكان.

 

وهي مراحل تسلم كل منها للتي تليها؛ يقول ابن عطاء الله السكندري: “لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه؛ لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور؛ ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [إبراهيم: 20]”.

 

ويقول ثابت البناني: “كابدت القرآن عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة”.

 

هذا هو السبيل: قراءة مع مكابدة وعناء للوصول إلى قراءة بفهم وارتقاء، وانظر إلى ثابت البناني كيف كابد القرآن عشرين سنة قبل أن يتنعم به عشرين سنة، تُرى لو أن ثابتًا بعد مكابدة القرآن عشر سنوات، أو خمس عشرة أو تسع عشرة سنة، قال: هذه قراءة لا فهم فيها، ولا تدبر معها، والصواب عدم القراءة، ولا بد أن أكف عن هذه القراءة التي لا روح فيها، هل كان سيصل إلى التنعم والتلذذ بالقرآن عشرين سنة؟

 

أخي الحبيب، لا تيأس من روح الله أبدًا؛ فاليأس قرين الكفر؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

 

لا تقنط من إخفاقك في العبادة، مهما كان الأمر، وحاول بكل ما تملك ما بقِيَ فيك عرق ينبِض، ولا تكِل ولا تمَل ما بقِيَ فيك نفس يتردد، واستعن بالله ولا تعجز، وتبرأ من حولك وقوتك، واعتصم بحول الله وقوته؛ ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الحكم، الحكيم، الكريم، الوهاب، البر، القريب
فرطت يا قلبي