موافقة المنطوق للمكتوب في العربية
موافقة المنطوق للمكتوب في العربية
تحضُرني قصَّةٌ لأبي الأسود الدُّؤلي رواها السُّيوطي في كتابه (الأخبار المروية في سبب وضع العربية)، قال: “وقال ابنُ الأنباري: حدثني أبي، حدثني أبو عِكرمة قال: قال العُتْبي رحمه الله: كتبَ معاويةُ إلى زيادٍ يطلب عُبَيدَ الله ابنَه، فلمَّا قدِمَ عليه كلَّمه فوجده يَلحَن، فردَّه إلى زيادٍ وكتب إليه كتابًا يلومُه فيه ويقول: أمِثلُ عُبَيد الله يُضَيَّع؟!
فبعث زيادٌ إلى أبي الأسود فقال له: يا أبا الأسود، إن هذه الحمراءَ [يعني العَجَم] قد كثُرَت وأفسَدَت من ألسُن العرب، فلو وضعتَ شيئًا يُصلح به الناسُ كلامَهم ويُعربون به كتابَ الله. فأبى ذلك أبو الأسود.
فوجَّه زيادٌ رجلًا وقال له: اقعُد في طريق أبي الأسود، فإذا مرَّ بك فاقرأ شيئًا من القرآن وتعمَّد اللَّحنَ فيه. ففعل ذلك. فلمَّا مرَّ به أبو الأسود رفعَ الرجلُ صوتَه فقرأ: ﴿ إن اللهَ بريءٌ من المشركين ورسُولِه ﴾ بالجرِّ؛ فاستعظَمَ ذلك أبو الأسود وقال: عزَّ وَجهُ اللهِ أن يَبْرَأَ من رسولِه! ثم رجع من فوره إلى زيادٍ فقال: يا هذا قد أجبتُكَ إلى ما سألتَ، ورأيتُ أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعَث إليَّ ثلاثين رجلًا، فأحضَرَهم زياد، فاختارَ منهم أبو الأسود عشَرةً، ثم لم يَزَل يختارهم حتى اختارَ منهم رجلًا من عبد القيس، فقال: خُذِ المصحفَ وصِبْغًا يخالف لونَ المِداد، فإذا فتحتُ شفَتي فانقُط واحدةً فوق الحرف، وإذا ضمَمتُها فاجعَلِ النقطةَ إلى جانب الحرف، فإذا كسَرتُها فاجعَلِ النقطةَ من أسفل الحرف، فإن أتبَعتُ شيئًا من هذه الحركات غُنَّةً فانقُط نقطتَين. فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره”.
نستدلُّ من هذه الرواية أن علامات الشَّكْل (الصَّوائت) إنما وُضِعَت لضبط النُّطق وضمان صِحَّته. وبذلك فإن النصَّ العربيَّ إذا أُضيفَت إليه علاماتُ الشَّكْل أصبح تعبيرًا حقيقيًّا عن مَنطوقه، وغدا صورةً مكتوبةً لهذا المنطوق.
فهذه العلاماتُ إذن لازمةٌ وكافية (مع بعض القواعد الصوتية والاستثناءات القليلة) للنُّطق بالنصِّ نطقًا سليمًا. ونستطيع القول: إن النصَّ العربيَّ المشكولَ يُكتَب كما يُنطَق، ويُنطَق كما يُكتَب. على أن اللغة العربية ليست اللغةَ الوحيدة التي تفرَّدَت بهذه الميزة؛ فالعبرية المشكولة مثلًا، تُقرَأ كما تُكتَب، وتُكتَب كما تُقرَأ.
وبالمقابل هناك لغاتٌ ليس لها هذه الميزة؛ كالإنكليزية مثلًا، فهي لا تُقرَأ كما تُكتَب، ولا تُكتَب كما تُقرَأ؛ إذ تتضمَّن هذه اللغةُ كلماتٍ لها صوائتُ مختلفة، ومعَ ذلك فهي تُنطَق بوجهٍ واحد. مثالُ ذلك أزواجُ الكلمات الآتية:
Sale | Sail |
| hair | hare |
| bale | bail |
See | Sea |
| here | hear |
| bear | bare |
Seer | sear |
| eye | I |
| byte | bite |
Sheer | shear |
| no | know |
| buoy | boy |
Thyme | time |
| liar | lyre |
| deer | dear |
Two | too |
| made | maid |
| dye | die |
Whale | wail |
| nun | none |
| dun | done |
Weight | wait |
| peer | pier |
| hale | hail |
وبالعكس، في الإنكليزية كلماتٌ لها صوائتُ متماثلة، ومع ذلك فهي تُنطَق بأوجُهٍ مختلفة [دون النظر إلى السواكن (الصَّوامت)]؛ مثل:
Mint | mind |
| doom | door |
| heard | beard |
Shone | phone |
| food | foot |
| moon | book |
Pub | Put |
| tour | four |
| bought | bough |
read | read |
| mood | good |
| bow | bow |
Sheer | sheep |
| ham | hall |
| come | code |
|
|
| head | heap |
| mien | diet |
يُضاف إلى ذلك أن لبعض السواكن (الصَّوامت) رسمين مختلفين؛ نحو: (ph، f)، و: (c، k)، وأن لبعضها لفظين مختلفين نحو: (th)، و(s)، و(c).
كلُّ ذلك يدلُّ على أن النطق بالكلمات في اللغة الإنكليزية لا تنتظِمُه قواعدُ محدَّدة، بل لا بدَّ من العودة إلى المعجم الذي يرسُم رموز النطق.
أمَّا القواعدُ الصوتية العربية فأهمُّها: اللام القمرية والشمسية، والتفخيم والترقيق، وهمزة الوصل والقطع، وحروف المدِّ، وهاء التأنيث، والتقاء الساكنَين، والوقف، وألف التفريق، والتنوين…
وأمَّا القائمة التي شذَّت ألفاظُها عن هذه القواعد الصوتية، فمبثوثةٌ في كتب الإملاء العربي، وأهمُّ هذه الألفاظ: (عمرو، أولئك، أولو، أولي، أولات، مائة، الله، اللهم، لكن، هذا، هذه، هذان، هؤلاء، ابن، ابنة، امرؤ، اسم، اثنان، اثنين، اثنتان، اثنتين، امرأة).
ومن ثَمَّ نخلُص إلى أن مطابقة المنطوق للمكتوب في العربية صحيحٌ ولا غبار عليه، ويمكن – زيادةً في الاحتراز والدقَّة – إضافةُ كلمة (المشكول) فنقول: موافقة المنطوق للمكتوب المشكول في العربية.
والله تعالى أعلم.
أ. مروان البواب
عضو مجمع اللغة العربية بدمشق
نُشر أصلها في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 80، الجزء 3، الصفحة 560.