سورة الكهف والدجال (2)


سورة الكهف والدجال (2)

 

لماذا كانت سورة الكهف نورًا ما بين الجمعتين، وخواتيمها عصمة من الدجال؟

 

تناولنا في الجزء الأول من البحث فواتحَ سورة الكهف في محاولة للإحاطة بأسباب؛ كونها عصمةً من الدجال، وفي هذا الجزء الثاني والأخير نتمِّم المحورين المتبقيين من البحث؛ وهما:

سورة الكهف نور ما بين الجمعتين.

وخواتيم سورة الكهف عصمة من الدجال.

 

بسم الله نبدأ.

سورة الكهف نور ما بين الجمعتين

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين))؛ [رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع”].

 

والمتأمل لسورة الكهف يجد أن المحور الرئيسي التي تدور حوله هو الفتن والحلول الإلهية للعصمة منها؛ إذ تعرض السورة لأربع قصص تعالج أربعًا من كُبريات الفتن التي تحيط بالإنسان في حياته الدنيا، والتي لا بد أنها عارضة له في مراحل حياته، إن لم يكن في مجموعها ففي بعضها على الأقل.

 

من جهة أخرى، فإن الفتن التي تعرض لها هذه السورة هي الفتن التي تكون ظاهرةً بارزة في زمن الدجال، يأتي بها الدجال جميعًا؛ ليفتن الناس ويقنعهم بأنه ربهم وإلههم ليتبعوه.

 

وهذا ما يجعل من قراءتها كلَّ جمعة ضرورةً؛ ليشحن المؤمن نفسه إيمانيًّا معها في مواجهة هذه الفتن في حياته اليومية من جهة، ولتتتجذَّر معانيها وقواعدها في قلبه، فتكون له معينًا على الثبات على دينه في حال ظهر الدجال، وكان ممن شهِدوا فتنته من جهة أخرى.

 

والقصص الأربع هي:

قصة أصحاب الكهف، نموذجًا لفتنة الدين.

 

قصة صاحب الجنتين، نموذجًا لفتنة المال.

 

قصة سيدنا موسى مع الرجل الصالح، نموذجًا لفتنة العلم.

 

قصة ذي القرنين، نموذجًا لفتنة السيادة.

 

1- فتنة الدين وقصة فتية الكهف:

الفتنة:

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 13 – 15].

 

هم فتية عاينوا فتنة الدين، فقد كانوا مؤمنين بالله شاهدين له بالوحدانية، خالفوا ما كان عليه قومهم من شرك، وآمنوا بربهم فلم يستسلموا، ولم يتبعوا قومهم في ضلالهم، ولا وافقوهم على كفرهم، بل أعلنوا توحيدهم لله تعالى، كما أعلنوا براءتهم مما يعبد أهلوهم وعشيرتهم: ﴿ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 14، 15].

 

قال القرطبي: “روى مجاهد عن ابن عباس أن هؤلاء الفتية كانوا في دين مَلِكٍ يعبد الأصنام، ويذبح لها، ويكفر بالله، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين – حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني الأمم قبلهم – فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيحَ فعلِ الناس، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله، فرُفِعَ أمرهم إلى الملك وقيل له: إنهم قد فارقوا دينك، واستخفوا آلهتك، وكفروا بها، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه، وأمرهم باتباع دينه، والذبح لآلهته، وتوعَّدهم على فراق ذلك بالقتل، فقالوا له فيما رُوِيَ: ﴿ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الكهف: 14] إلى قوله: ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ [الكهف: 16]، ورُوِيَ أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به، فقال لهم الملك: إنكم شُبَّان أغمار لا عقول لكم، وأنا لا أعجل بكم، بل أستأني فاذهبوا إلى منازلكم، ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمري، وضرب لهم في ذلك أجلًا…”.

 

المخرج:

    1- الاعتزال:

      ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].

       

      بعد أن أعلن الفتية براءتهم من قومهم المشركين، أجمعوا أمرهم على الفرار بدينهم، والالتجاء إلى كهف يعتصمون به من فتنة قومهم وملكهم الظالم، ويعبدون الله وحده لا شريك له.

       

      قال القرطبي: “ثم إنه خلال الأجل تشاور الفتية في الهروب بأديانهم، فقال لهم أحدهم: إني أعرف كهفًا في جبل كذا، وكان أبي يُدخِل فيه غنمه، فلنذهب، فَلْنَخْتَفِ فيه حتى يفتح الله لنا، فخرجوا فيما رُوِيَ يلعبون بالصَّوْلَجَانِ والكُرة، وهم يُدَحْرِجونها إلى نحو طريقهم؛ لئلا يشعر الناس بهم”.

       

      فكان جزاؤهم أن حفِظهم الله تعالى في كهفهم، ونشر عليهم من رحمته ما شاء أن ينشر، وحفِظهم في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا، وجعلهم آية من آيات الزمن تتناقلها أُمَمٌ وأقوامٌ.

       

        2- الصحبة الصالحة:

          ويلفتنا في قصة أصحاب الكهف اجتماعُ الفتية بعضهم إلى بعض، بعد أن عرف كل منهم صلاح أصحابه، بعيدًا عن أهلهم وقومهم المشركين، لم تضعف من عزيمتهم على الْمُضِيِّ في طريق التوحيد قلةُ عددهم وكثرة قومهم، لم يفكروا بالاستسلام “للأمر الواقع”، والرجوع عما عزموا عليه، لم تكن نظرة المجتمع إليهم تهمهم مثقال ذرة، بل فاضت قلوبهم بما آمنوا به، فقرروا الفرار بدينهم واعتزال قومهم.

           

          ويستمر السياق بسرد قصة الفتية يتخللها خطاب الله للرسول صلى الله عليه وسلم بشأنهم: ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ [الكهف: 22]، وينتهي خطاب الله عز وجل لنبيِّه بشأن الفتية بالدرس الإلهي المستفاد من قصة الفتية: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

           

          الصحبة الصالحة من جديد، ويضع الله عز وجل مقياسَ الصحبة فيُبيِّنها لرسوله وللمؤمنين من بعده: ﴿ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: 28]؛ يريدون وجهه.

           

          ولو كانوا فقراء ضعفاء لا يُؤْبَهُ لهم، هؤلاء الذين أمر الله رسوله والمؤمنين من بعده بالتقرب إليهم، ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف: 28]؛ قال ابن عباس: “ولا تجاوزهم إلى غيرهم: يعني: تطلب بدلهم أصحابَ الشرف والثروة”؛ [ابن كثير].

           

          أما الغافلون الذين تُسيِّرهم أهواؤهم، فلا يردعهم نصح ولا تذكير، ولا ترغيب ولا ترهيب، فهؤلاء وَجَبَتْ مجانبتهم كما أمرنا الله عز وعلا، ولو كانوا أصحابَ ثروة وسيادة ووجاهة في المجتمع، وهذه القاعدة الربانية تعتبر من القواعد الأساسية في الثبات على الدين، فالصحبة الصالحة تشُدُّ المؤمن باتجاه ربه، والصحبة الطالحة الغافلة صحبة الأهواء تشُده نحو المعاصي والمهلكات.

           

          قال ابن كثير في تفسيره: ” ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ [الكهف: 28؛] أي: شُغِلَ عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: أعماله وأفعاله سَفَهٌ وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعًا له ولا محبًّا لطريقته، ولا تغبِطه بما هو فيه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]”.


          ولا يفوتنا أن اتباع الهوى، وطاعة أهل الغفلة عن ذكر الله تعالى، والسير في مسالكهم سبب للفتنة في الدين، والانسلاخ عنه شيئًا فشيئًا.

           

          2- فتنة المال، صاحب الجنتين:

          الفتنة:

          وتحكيها لنا السورة من خلال قصة صاحب الجنتين:

          ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 32 – 36].

           

          وهذا الرجل أمثاله كثيرون كثيرون؛ رجل أنعم الله عليه بوافر النعم، فكان له كل ما تتمناه النفس من مال وولد وزينة الحياة الدنيا، فاستغرق في النعمة ونَسِيَ الْمُنْعِم، ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ [الكهف: 35] بكُفْرِه وتمرُّدِه، وتكبُّرِه وتجبُّرِه، وإنكاره المعاد، بل تطاول على المنعم وبَطِرَ واستكبر، استكبر على صاحبه متفاخرًا بماله وولده، ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34]، واستكبر على ربِّه بإنكاره للساعة، وبزعمه خلودَ النعمة، بل وتألِّيه على ربِّه بزعمه أنه سيكون له أفضل مما تركه وراءه في الدنيا، إن كان هناك آخرة وعودة إلى الله الذي خلقه أول مرة.

           

          ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36]، وما أقسى ما كان العقاب، ادَّعَيْتَ خلود النعمة؟ ها هي أمامك دمارٌ وهلاك، لا تقدر منها على شيء، ما حال بينك وبين دمارها أحدٌ ممن كنت تفتخر بهم من ولد وعشيرة وصحبة، ﴿ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ﴾ [الكهف: 43].

           

          المخرج من فتنة المال:

            1- فهم حقيقة الدنيا:

              يأتي المخرج مباشرة بعد القصة، عندما يطالعنا السياق الكريم بتصوير لحقيقة الحياة الدنيا؛ ليستوعبها ويتأملها الذين افتُتنوا بها فجعلوها غاية الحياة التي يعيشونها، فتخلَّوا عن دينهم وعقيدتهم في سبيل تحصيل زينتها ومتاعها، لكن ماذا كانت حصيلتهم في نهاية المطاف؟!

               

              ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 45، 46].

               

              يقول السعدي في تفسيره: “يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أصلًا، ولمن قام بوراثته بعده تَبَعًا: اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حقَّ التصور، ويعرفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية، ويُؤثِروا أيهما أولى بالإيثار، وأن مثل هذه الحياة الدنيا، كمثل المطر، ينزل على الأرض، فيختلط نباتها، تنبت من كل زوج بهيج، فَبَيْنَا زهرتُها وزخرفها تسر الناظرين، وتُفرح المتفرجين، وتأخذ بعيون الغافلين، إذ أصبحت هشيمًا تذروه الرياح، فذهب ذلك النبات الناضر، والزهر الزاهر، والمنظر البَهِيُّ، فأصبحت الأرض غَبْرَاءَ ترابًا، قد انحرف عنها النظر، وصدف عنها البصر، وأوْحَشَتِ القلب، كذلك هذه الدنيا، بينما صاحبها قد أُعجب بشبابه، وفاق فيها على أقرانه وأترابه، وحصَّل درهمها ودينارها، واقتطف من لذَّتِه أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته، وظن أنه لا يزال فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التَّلف لماله، فذهب عنه سرورُه، وزالت لذَّتُه وحُبورُه، واستوحش قلبه من الآلام، وفارق شبابه وقوته وماله، وانفرد بصالح أو سيئ أعماله، هنالك يَعَضُّ الظالم على يديه، حين يعلم حقيقة ما هو عليه، ويتمنى العودَ إلى الدنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدرك ما فرط منه من الغفلات، بالتوبة والأعمال الصالحات، فالعاقل الجازم الموفَّق يَعرِض على نفسه هذه الحالة، ويقول لنفسه: قدِّري أنكِ قد مِتِّ، ولا بد أن تموتي، فأي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار، والتمتع بها كتمتُّع الأنْعَامِ السَّارِحَةِ، أم العمل لدار أُكُلُها دائم وظلُّها، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين؟ فبهذا يُعرَف توفيق العبد من خِذْلانه، ورِبْحُه من خسرانه”.

               

                2- اليقين بالحساب يوم القيامة:

                  وبعد عرض حقيقة الحياة الدنيا على كل ذي لُبٍّ، تعرض الآيات مشاهد يوم القيامة؛ الموعد الذي لا يمكن أن يخلفه مخلوقٌ خلقه الله في هذا الكون، وكأنها تنبِّه كل من فُتِنَ في هذه الدنيا إلى أن هناك مستقَرٍّ ينتظرك، وما تسعى فيه وتبيع في دينك وتشتري من أجله ما هو إلا دارُ عبورٍ.

                   

                  ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47 – 49].

                   

                  فاعلم أيها العبدُ الذي رهنت نفسك لدنيا فانية، وأشبعت شهواتك منها ما شاء لك الله أن تشبع، وعمِرتَ فيها ما شاء الله لك أن تُعمَّر – أنك لا بد ميت، ولا بد مبعوث، ولا بد ملاقٍ حسابك.

                   

                  ومن استوعب هاتين الفكرتين وأيقن بهما، هانت عليه ثروات الدنيا كلها، وعلِم أن الكَنزَ الحقيقي الذي يملكه هو دينه وعقيدته، فعاش من أجلها، وجاهد فيها، ومات عليها وذلك الفوز العظيم، اللهم اجعلنا من أهله.

                   

                  3- فتنة العلم، موسى والرجل الصالح:

                  الفتنة:

                  وقصة موسى مع العبد الصالح مبدؤها أن موسى عليه السلام وقف خطيبًا في بني إسرائيل فسُئِلَ: أيُّ الناس أعلم؟ فقال: أنا، فَعَتَبَ الله عليه إذ لم يرُدَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك.

                   

                  أخرج البخاري عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فقيل له: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرُدَّ العلم إليه، وأوحى إليه: بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال: أي رب، كيف السبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل، فحيثما فقدتَ الحوت فاتبعه، قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون، ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة، فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام – قال سفيان: وفي حديث غير عمرو، قال: وفي أصل الصخرة عينٌ يُقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حَيِيَ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين – قال: فتحرك وانسل من المكتل، فدخل البحر فلما استيقظ موسى قال لفتاه: ﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا ﴾ [الكهف: 62] الآية، قال: ولم يجد النَّصَبَ حتى جاوز ما أُمر به، قال له فتاه يوشع بن نون: ﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ﴾ [الكهف: 63] الآية، قال: فرجعا يقصَّان في آثارهما، فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت، فكان لفتاه عجبًا، وللحوت سربًا، قال: فلما انتهيا إلى الصخرة، إذ هما برجل مسجًّى بثوب، فسلَّم عليه موسى، قال: وأنَّى بأرضك السلام، فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا؟ قال له الخَضِرُ: يا موسى، إنك على عِلْمٍ من عِلْمِ الله علَّمكه الله لا أعلمه، وأنا على عِلْمٍ من عِلْمِ الله علَّمنيه الله لا تعلمه، قال: بل أتبعك، قال: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا، فانطلقا يمشيان على الساحل، فمرَّت بهم سفينة، فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نَولٍ – يقول بغير أجر – فركبا السفينة، قال: ووقع عصفور على حرف السفينة، فغمس مِنْقَارَه في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قَدُومٍ فخرق السفينة، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نَولٍ، عمدتَ إلى سفينتهم فخرقتها ﴿ لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ ﴾ [الكهف: 71] الآية، فانطلقا إذا هما بغلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فقطعه، قال له موسى: ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 74، 75] إلى قوله: ﴿ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ [الكهف: 77] – فقال بيده: هكذا – فأقامه، فقال له موسى: إنا دخلنا هذه القرية فلم يضيفونا ولم يطعمونا، ﴿ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 77، 78]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ودِدْنا أن موسى صبر حتى يُقَصَّ علينا من أمرهما)).

                   

                  المخرج من فتنة العلم:

                    1- النزول عند حقيقة أن العلم ليس حكرًا على أحد، ولا يمكن أن يبلغ منتهاه أحد، بل هو مِنَّةٌ من الله يؤتي منها من يشاء بالقدر الذي يشاء.

                     

                      ولْيَعْلَمْ كلُّ مَن يرى في نفسه عالم العلماء أن فوق كل ذي علم عليم، وأنه لا بد في الوجود من آتاه الله من العلم ما لم يؤتَ هو، فلا يغترَّ بشر بعلمه، ولا يتكبر.

                       

                      فهذا موسى عليه السلام كليم الله، وهو بعد ذلك رسول من أولي العزم، بل إن الله آتاه من الآيات ما دحر به السحرة وسِحْرَهم وعلومهم، قد أخبره الله: أن يا موسى لا تغتر بعلمك هذا كله، فهناك من هو أعلم منك: ((قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فَعَتَبَ الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، وأوحى إليه: بلى، عبد من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال: أي رب، كيف السبيل إليه؟)).

                       

                      لم يتكبر موسى على هذه الحقيقة التي أخبرها بها ربه، بل ما كان منه إلا أن أسرع ليلتقي بذلك العبد الذي أخبره الله عنه، ويلفتنا في الحديث قوله جل وعلا: (عبد من عبادي)، ولم يقل: عالم من عبادي، فمهما بلغ الإنسان من علم، فلن يتجاوز مستوى عبوديته لله الواحد القهار، سبحانك ربي!

                       

                      ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾ [الكهف: 60، 61]، وكانت هذه هي العلامة.

                       

                      ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ [الكهف: 62 – 64].

                       

                      قال ابن كثير: “﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ [الكهف: 63]، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى وفتاه عجبًا، فقال: ﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ [الكهف: 64]، قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجًّى بثوب، فسلَّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا، ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 67]، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه، لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، فقال موسى: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69]، قال له الخضر: ﴿ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 70].

                       

                        2- طلب العلم مع التواضع له والصبر عليه:

                          ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 66 – 69].

                           

                          أَطَرَ موسى طلبَه للعلم من الخضر عليه السلام بمجموعة من الآداب:

                          1- الطلب الرفيق: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]: هل أتبعك على سبيل الترفق لا الإلزام؟

                           

                          2- الاعتراف بأفضلية علم المعلِّم، فما سيتعلمه منه سيكون له رشدًا؛ أي مما يسترشد به؛ قال ابن كثير: “﴿ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]؛ أي: مما علمك الله، شيئًا أسترشد به في أمري، من علم نافع وعمل صالح”؛ [انتهى].

                           

                          3- الصبر: ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [الكهف: 69].

                           

                          4- الطاعة الكاملة لأوامر المعلم: ﴿ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69].

                           

                            1- رد العلم إلى الله جل في علاه:

                              أما الخضر عليه السلام، فلم يكن معلمًا عاديًّا، بل معلمًا ربانيًّا عرَف قدر الله وفضله، فكانت الخلاصة التي أنهى بها درسه مع موسى عليه السلام هو أعظم مخرج من فتنة العلم، وهو رد العلم إلى الله، فبعد أن وضح الخضر عليه السلام مقاصد الأفعال التي قام بها لسيدنا موسى عليه السلام، ختم بقوله: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].

                               

                                2- العلم البشري قاصر على ظواهر الأشياء، والغيب لا يعلمه إلا اللهُ، ومن أراد أن يُطْلِعَه عليه من عباده.

                                  قصة موسى مع الخضر تقعِّد مجموعة من القواعد الإيمانية، ينبغي على كل مؤمن أن يَسْتَذْكِرَها مع تقلبات أحواله وأيامه؛ لذلك كانت قراءة الكهف كل جمعة مَدْعَاةً لعدم نسيان هذه القواعد:

                                  ليس كل ما نراه خيرًا هو خير في حقيقته، وليس كل ما نراه شرًّا هو شر في حقيقته، فخرق السفينة كان في ظاهره هلاكًا، وفي حقيقته نجاة.

                                   

                                  الله أعلم بنا منا، وكل قضاء يقضيه لنا، وإن وجدناه في أنفسنا قضاءَ سوء، هو خير لنا، فلا نتسخط على شيء من قضاء الله، بل نحمده على كل ما قضى، فالحمد لله، فقتل الغلام كان في ظاهره جريمة لا تغتفر، “قتل نفس بريئة”، في منظار الناس، وحزن لا ينتهي في منظار الآباء، لكنه في حقيقته كان نعمة على الوالدَين الصالحين.

                                   

                                  جاء في تفسير ابن كثير: “قال قتادة: قد فرح به أبواه حين وُلِدَ، وحزِنا عليه حين قُتِلَ، ولو بقِيَ كان فيه هلاكهما، فليرضَ امرؤٌ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خيرٌ له من قضائه فيما يحب”.

                                   

                                  صلاح الآباء يثمر في حماية الأبناء، ولطف الله بهم.

                                   

                                  ولنتذكر أن ما بعد السلب إلا العطاء، وما بعد العطاء إلا الزيادة إن اتقى العبد وشكر.

                                   

                                  4- فتنة السلطة، قصة ذي القرنين:

                                  الفتنة:

                                  وذو القرنين مَلَكَ الأرض من مشرقها إلى مغربها بما آتاه الله من قوة وعِلْمٍ، فكان يملك ويحكم باسم الله وشرعه، يدعو الناس إلى إصلاح ما فسد من أمر دينهم، كحاله مع القوم الذي وجدهم عند مغرب الشمس، ويعينهم بما وهبه الله من علم، على إصلاح ما فسد من أمر دنياهم، كحاله مع القوم الذين سُلِّط عليهم يأجوج ومأجوج.

                                   

                                  قال ابن كثير: ” ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف: 84]؛ أي: أعطيناه ملكًا عظيمًا مُتمكِّنًا، فيه له من جميع ما يُؤتَى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصارات؛ ولهذا مَلَكَ المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم، من العرب والعجم؛ ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سُمِّيَ ذا القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها، وقوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84]؛ قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، وغيرهم: يعني علما”؛ [انتهى].

                                   

                                  المخرج من فتنة السلطة:

                                  والمخرج من هذه الفتنة واضح في قصة ذي القرنين نفسها: تقوى الله والإخلاص له، جل في علاه، في كل ما آتاه من مُلْكٍ وعِلْمٍ وحُكْمٍ.

                                   

                                  فذو القرنين كان يرد كل شيء لله تعالى ويحكم باسمه وشرعه وأمره، فيُعذِّب من شذَّ عن أمر الله، ويكافئ من اتبع شرع الله ودينه، وقد بِتْنَا نعلم أن دين الله كان واحدًا، دين التوحيد، من لدن آدم عليه السلام، وبه جاءت كل الأنبياء والرسل وهو ما كان يدعو له ذو القرنين، وهذا ما تحكيه لنا الآيات: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 86 – 88].

                                   

                                  ما حَكَمَ ذو القرنين بهوًى، ولا مصلحة، ولا من أجل دنيا، بالرغم من كل القوة التي كان عليها، بل كان يحكم بين الناس بكفرهم أو إيمانهم، وقوله تعالى: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾ [الكهف: 87]؛ أي: من أقام على الكفر.

                                   

                                  وذو القرنين لم يكن جبارًا متكبرًا، بل كان في خدمة الناس وحاجتهم، وهذا ما ترويه لنا السورة في قصته مع القوم الذين سُلِّط عليهم أعتى أقوام الأرض “يأجوج ومأجوج”: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 93 – 97].

                                   

                                  علاقة الدجال بالفتن الأربع:

                                  أما علاقة هذه الفتن بالدجال:

                                  فالدجال جاء يدعي الألوهية، وهذه فتنة الدين التي عرضتها لنا قصة فتية الكهف وقومهم الكافرين.

                                   

                                  والدجال جاء بالمال والخيرات لمن يؤمن به، والحرمان والقحط لمن يكفر به، وهذه فتنة المال التي عرضتها لنا قصة صاحب الجنتين، ففي فتنة المال يمر الدجال بالخربة، فتَتْبَعه كنوزها، ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت؛ كما في حديث النواس بن سمعان عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح ابن ماجه: ((وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيجُ نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شابٌّ قَطَطٌ، عينه قائمة، كأني أشبِّهه بعبدالعُزَّى بن قَطَن، فمن رآه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه يخرج من خَلَّةٍ بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالًا، يا عباد الله اثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لَبْثُه في الأرض؟ قال: أربعون يومًا، يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة، تكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: فاقدروا له قدره، قال، قلنا: فما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث اسْتَدْبَرَتْهُ الريح، قال: فيأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له، ويؤمنون به، فيأمر السماء أن تُمْطِرَ فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبُتَ فتنبت، وتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرًا، وأسبغه ضروعًا، وأمدَّه خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون مُمْحِلين، ما بأيديهم شيء، ثم يمر بالخَرِبَةِ، فيقول لها: أخرجي كنوزك فينطلق، فتتبعه كنوزها كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ)).

                                   

                                  والدجال يدَّعي العلم بكل شيء، حتى بالغيبيات، فهو يستطيع إحياء الموتى بدَجَلِهِ وشعوذته؛ روى أبو داود في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((… وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني اتبعه، فإنه ربك، وإن من فتنته أن يسلَّط على نفس واحدة فيقتلها، ينشرها بالمنشار حتى تُلقَى شقين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه ثم يزعم أن له ربًّا غيري، فيبعثه الله، ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدوُّ الله، أنت الدَّجَّال، والله ما كنت قطُّ أشدَّ بصيرةً بك مني اليوم))، وفتنة العلم التي عرضتها لنا السورة محورها علم الغيب، فقد افتتن موسى بعلمه، وهو لا يرى إلا ظواهر الأشياء، فكان أن جمعه الله عز وجل بمن يعلم بباطن الأشياء وحقيقتها بفضل الله وأمره، وفي هذا فائدة وتبصرة بما سيكون عند فتنة الدجال، عندما يعرض للناس أنه يُخْرِج للإنسان أمَّه حية من القبر، وهو إنما يستعين في حقيقة الأمر بالشياطين في هذا الفعل، وكذا في أمر جنته وناره، فجنته في ظاهرها جنة، وفي حقيقتها نار.

                                   

                                  والدجال يجوب البلاد كلها – عدا مكة والمدينة – سيدًا حاكمًا متحكِّمًا، وهذه فتنة السيادة، فقد مَلَكَ الأرض وجابها من قبله ذو القرنين، فلو كان الدجال رجلًا صالحًا، على أقل تقدير، وليس إلهًا كما يدعي، لَحَكَمَ كما حكم ذو القرنين، وفي هذا تبصرة لمن شهد فتنة الدجال، اللهم أعذنا منها يا رب.

                                   

                                  خواتيم سورة الكهف والعصمة من الدجال:

                                  “حدثنا ‏محمد بن جعفر ‏وحجاج ‏‏قال: ثنا ‏شعبة ‏‏عن ‏قتادة ‏قال ‏حجاج ‏في حديثه: ‏سمعت ‏سالم بن أبي الجعد ‏يحدِّث عن ‏معدان، ‏عن ‏أبي الدرداء، ‏عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏أنه قال: ((‏من قرأ عشر آيات من آخر ‏الكهف ‏عُصِمَ من فتنة ‏الدجال))، ‏قال ‏حجاج: “‏من قرأ العشر الأواخر من سورة ‏الكهف”؛ [مسند الإمام أحمد، وأخرجه مسلم (٨٠٩)، والنسائي في “الكبرى” (٨٠٢٥) و(١٠٧٨٥)].

                                   

                                  فلماذا خواتيم السورة؟

                                  المتأمل في خواتيم سورة الكهف يجد أنها تنتقل بنا مباشرة من مشهد القوة والسلطة والسيادة والعلم العظيم – مشهد ذو القرنين مع بعض أقوام الأرض التي حكمها – مباشرة إلى مشهد يوم البعث:

                                  ﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾ [الكهف: 99].

                                   

                                  تنقلنا إلى ذلك المشهد وأهواله؛ لتُذكِّرَنا أن الدنيا دار فناء وليست دار قرار، وأن يوم القيامة سيجتمع الجميع فيه؛ الإنس والجن، للحساب، مؤمنهم وكافرهم، فإن تذكر المؤمن هذا يومَ يخرج الدجال، علِم أنه دجال لا يملك من أمر الحشر والحساب شيئًا، وأن كل ما هو عليه ادعاؤه القدرة على الإماتة والإحياء، والرزق والمنع، وما معنى هذه القدرة – التي وإن سخرت له حقًّا فبأمر من الله – أمام قدرة الله على البعث والحشر والحساب؟

                                   

                                  ثم يسترسل المؤمن مع الآيات ليعلم بما سيكون من أمر الكافرين مع جهنم، والدجال وأتباعه من أئمة الكافرين يومئذٍ، والله أعلم، لادعائه الألوهية: ((مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن؛ كاتب وغير كاتب))؛ [رواه مسلم]، وكذا يكون أتباعه.

                                   

                                  ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴾ [الكهف: 100 – 102].

                                   

                                  وهل يتبع الدجال إلا من أعْمَتْهُ زينة الحياة الدنيا، وأُشرِب حبُّها في قلبه، فأعماه حبُّها وأصمَّه عن ذكر الله واتباع شرعه، واتخاذ الدجال إلهًا ووليًّا من دونه؟!

                                   

                                  والآية عامة طبعًا في كل من اتخذ من دون الله وليًّا، وإسقاطنا لها على الدجال؛ لأن فتنته تكون من أعظم الفتن، واتباعه والإيمان به يكون من أعظم الكفر والعياذ بالله.

                                   

                                  ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 – 106].

                                   

                                  وبالرغم من قول البعض أنها نزلت في الحرورية، وبعضهم قال: إنها في اليهود والنصارى، فإن أغلب المفسرين على أنها عامة في كل من عَبَدَ اللهَ وعمِل واجتهد على غير الطريقة التي أمر الله بها وشرعها، وليس أتباع الدجال بالطبع استثناءً.

                                   

                                  جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآيات عن علي رضي الله عنه: أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء، بل هي أعم من هذا؛ فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى، وقبل وجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامة في كل من عَبَدَ الله على غير طريقة مرضية يحسَب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]؛ [انتهى].

                                   

                                  وفي مقابل معسكر الكفر، يقف معسكر الإيمان؛ معسكر من آمن بالله واحدًا أحدًا، وكفر وكذب بكل ما سواه من شركاء وأنداد ومتألِّهين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].

                                   

                                  ويوم الفتنة الكبرى، يسترجع المؤمن هذه المعاني في أيام الدجال، فيعلم خاتمته وما ينتظره إن تمسك بما هو عليه من توحيد وإيمان راسخ بربِّه وخالقه، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كفوًا أحد.

                                   

                                  يسترجع هذه المعاني ويتذكر أنه في ذلك اليوم، يوم الحشر، يتفرق الناس بين جنة ونار، في ذلك اليوم فقط، جنة رب العباد وناره، لا جنة الدجال وناره الزائفتان اللتان أخبرنا عنهما الصادق المصدوق: ((ألَا أحدثكم حديثًا عن الدجال، ما حدَّث به نبي قبلي قومه؟ إنه أعور يجيء معه تمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه))؛ [صحيح الجامع عن أبي هريرة].

                                   

                                  وتختم السورة بما ابتدأت به، كتاب الله:

                                  فالآية الأولى تحكي صفة الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، وتُقَرِّر بأنه منزل من الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم.

                                   

                                  والآية الأخيرة تخبرنا بأن هذا الكتاب بكل ما فيه من حكم ودروس، وقصص وعِبَرٍ، وإخبار وإعجاز، ما هو إلا جزء بسيط من كلمات الله التي لا يحدُّها شيء، وجزء يسير من علم الله الذي لا يحيط أحد بشيء منه إلا بمشيئته جل جلاله: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 109، 110].

                                   

                                  وكما في الآية الأولى، تقرر الآية الأخيرة في السورة، أن هذا الكتاب وحي من الله عز وجل إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم.

                                   

                                  وحي بأن إله البشرية، إله واحد، لا والد له ولا ولد.

                                   

                                  هو الله رب السماوات والأرض خالق كل شيء.

                                   

                                  فلا يمكن لدجال ولا لغيره أن يكون إلهًا، مهما أتى به من دجل وآيات زائفة.

                                   

                                  وأن الخلاص كل الخلاص في العمل الصالح مع إخلاص العبودية لله الواحد: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

                                   

                                  والله أعلم.

                                   

                                  هذا ما وجدته في بحثي عن العلاقة بين الدجال وسورة الكهف وفواتحها وخواتيمها، فإن أصبتُ فبتوفيق من الله، وإن أخطأت فأسأل الله العفوَ والغفران.

                                   

                                  وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





                                  Source link

                                  أترك تعليقا
                                  مشاركة
                                  ظاهرة النجومية والتعلق بالمشاهير
                                  خبر بئر معونة